السبت، 21 سبتمبر 2013

مجرد تجربة


إن الإحساس بالعدالة لا يوجد في أعماق عموم الناس التي لا تدرك ضرورة العـدل إلا حينما يصيبها ضرر وتظل غير حافلة تماما بالضرر الذي يصيب حق الغير إلا بصورة نسبية قد تكون غير فعالة.
للعدالة هرم الضلع الأول قضاء نزيه وعادل والثاني سلطة تنفيذية تحكمها معايير مهنية والثالث العدالة الواقفة التي تتمثل بالمحامي وإن أي خلل بالأضلاع الثلاث تتحول من عدالة إلى ظلم وتتطور صناعة الابتزاز وفن التعذيب وانتهاكات مخزية لحقوق الإنسان ويتحول المحقق إلى غول والقاضي إلى جلاد والمحامي إلى مساوم وهذا تبدأ سلسلة الظلم
في السابق كانت القاعدة هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته
اليوم أصبحت القاعدة: “البريء متهم حتى ولو أُثبتت براءته”.

إن أجهزة العدالة مهمتها الأساسية إثبات الحقيقة ذلك أن فكرة العدالة لا يمكن أن تبنى على الوهم أو القناعات الزائفة ومن ثم ينبغي على أجهزة العدالة أن تتحرى عن هذه الحقيقة من خلال تدقيق الأدلة وعملية التحري هذه تدور حول التحقق مما إذا كانت هناك أدلة كافية يمكن أن تدحض أصل البراءة من عدمها
إن ظاهرة الشكاوى الكيدية بدأت تتطور وأصبحت صناعة وثقافة لدى هؤلاء المفترين وأصبحوا يفاخرون بها وبأعمالهم المشينة ويحرضون الآخرين على تقليدهم ويوضحون لهم مميزاتها وسهولة الحصول من خلالها على منالهم دون عناء يساعدهم على ذلك تعاون أصحاب الحق معهم من خلال تحقيق رغباتهم وذلك ما سيجعل هذه الممارسة مستمرة ويشعر كل مواطن أنه معرض للاعتقال الاعتباطي نتيجة إقامة دعوى كاذبة ضده ولا يمكن أن يخرج من شراكها بسهولة وهناك العديد من الأمثلة والشواهد الواقعية من الظواهر المؤلمة التي يعاني منها المجتمع لغرض التنكيل بهم وتشويه سمعتهم أو ابتزازهم من دون وجه حق.

قد تتفق المجتمعات حول مفهوم الشكوى ولكنها تختلف حين يتعلق الأمر بأشكالها وأهدافها.
فالشكوى هي عبارة عن وسيلة يسعى الفرد من خلالها أن يرفع الظلم ويسترد الحقوق في المجتمعات التي تقوم على علاقات صحية بين الأفراد حيث يعرف كل فرد دوره وواجباته نحو المجتمع لا يتقدم الفرد بشكوى إلا بعد أن يستنفد كل السبل الودية ويحرص ألا تتضمن الشكوى سوى المعلومات والحقائق التي تساعد على استرداد الحق أما في المجتمعات التي تعاني من الأمراض الاجتماعية والنفسية فإن الشكوى تتجاوز المطالبة بالحق ورفع الظلم لتتخذ شكلا آخر عبارة عن سلاح يدمر به الشاكي صورة الآخرين ومكانتهم في المجتمع وهذا الشكل يقودنا إلى شكل مقيت من أشكال الشكاوى وهي الشكاوى الكيدية التي قد تتضمن كما هائلا من المعلومات الكاذبة والمدمرة والتي من شأنها أن تنال من شرف ونزاهة الآخرين

بعض من أسبابها
المحزن في الأمر أن العديد من هذه العمليات التي تقوم بها السلطة التنفيذية وهي أحد أركان العدالة تجري من قبل عناصر تسللت إلى الأجهزة الأمنية وتقوم بالابتزاز والاعتقال بملابس رسمية وسيارات حكومية ولاشك أن سبب ذلك يعود إلى خلل في المقاييس التي وضعت للتعيينات في الأجهزة الأمنية ربما أعطى الأمان لمن يقوم بهذه التجاوزات للاستمرار فيها من دون عقاب فالسلطة التي يتمتعون بها بحكم وظائفهم تعطيهم الحصانة وتشيع الخوف منهم في قلوب الناس الذين لا يعرفون إلى أية جهة يلجئون دفاعا عن أنفسهم .

إن المجتمع أضحى يعاني أزمة قيم تطبع سلوك البعض وتدفع إلى القيام بأي شيء كان في سبيل تحقيق غاية معينة حتى ولو كانت ضد القوانين ويمكن أن تضر بالآخر ما يؤكد وجود اختلال كبير في منظومة القيم والسلوك لدى الأفراد والتي تنعكس بالضرورة على المجتمع ككل إيجابا أو سلبا، فانتشار الظواهر السلبية داخل المجتمع يدل بصراحة على وجود اختلالات تختلف حدتها حسب نوع الظواهر
فالمجتمع الذي يتساهل مع بعض ناهبي المال العام ومتجاوزي حقوق الإنسان ولا يحرك المتابعة في حقهم يساهم لا محالة في بروز نوع من الحقد بين أفراده يتحول مع الوقت إلى رغبة في الانتقام تترجم بتصرفات المواطنين الذين يفقدون الثقة في العدالة ومن ثم يؤمنون بفكرة سلك طرق معينة للحصول على حقهم حتى ولو كانت مخالفة للقانون وتضر بآخرين كما أن وقع الجريمة على الناس يجعلهم يصبون جام غضبهم على من اتهمته السلطات بالجريمة ولو كان الاتهام في حقيقته قد جاء بناءاً على مجرد بلاغ من أحد الأفراد، فقد تكون التهمة كيدية أو ملفقة أو كانت لأسباب سياسية أو بسبب تعارض المصالح في إطار المنافسة غير المشروعة وما يتبع ذلك من تشهير إعلامي قد يكون سبباً في تضليل الرأي العام ومن ثم يتنكرون لأصل براءة المتهم متناسين أن ذلك الإنكار يمس ضمانات حريات جميع الناس وقد يكون أحدهم محل تهمة كيدية في ذات يوم فيطالب حينها بالعدل والإنصاف.

القضاء وقبول الكيديات
وقد قيل بحق أن قانون العقوبات إنما وضع لمواجهة الأشرار وأن قانون الأصول الجزائية وضع لحماية الشرفاء لقد أثبت القضاء في بلادنا وعلى مر السنوات بالعدالة والنزاهة ورغم التشكيك الحاصل نتيجة بعض المواقف ولكن البعض منهم قد قاموا باستغلال هذا الأمر بشكل يتنافى مع الغاية الأسمى للقضاء حيث أن هناك بعض الأشخاص الذين يضعون نصب أعينهم إيذاء الآخرين وتعطيل مصالحهم عن طريق رفع دعاوى كيدية أمام الجهات القضائية لأسباب وأمور يعلم كل الأطراف في الدعوى بأنها غير حقيقية أو غير جديرة بالاهتمام وهو الأمر الذي يؤدي إلى تكديس القضايا لدى المحاكم ويكون سببا رئيسيا في بطء الإجراءات القضائية وهي المشكلة الكبرى التي يعاني منها كل من له دعوى في محاكمنا
كما أن مهنة المحامين أسمى مهنه وأن اتجاه البعض منهم بالاشتراك مع بعض ضعفاء الذمة من المحققين الفاسدين أدت في بعض الأحيان إلى نتائج كارثية يصعب تفصيلها في مثل هذه العجالة إن تعاون أصحاب الحق مع أصحاب الباطل هو ما يؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة التي تؤدي إلى الاعتداء على أحد أهم الضروريات الخمس التي أوجب الإسلام حمايتها والحفاظ عليه، ولتجاوز هذه الإشكالية التي تهدر وقت العدالة على القاضي المختص أن لا يقع تحت طائلة التأثير السياسي وتأثير المحقق الفاسد والمحامي الخصم والمخبر السري المجهول المعلوم.

نماذج من أنواعها وأشكالها:
1. أن تقام هذه الدعاوى على الشخص نفسه في عدة أماكن ومدن بحيث يبقى متنقلاً من موقف إلى آخر للرد على تهم باطلة، وقد خلقت هذه الظاهرة ذعراً شديداً وأشياء لدى المواطنين لتفشيها ومعاناة الكثير من ظروفها وعواقبها.

2. من حيث الأهداف فهناك قضايا كيدية تستهدف فقط إطالة إجراءات التقاضي في دعوى معينة عبر إدخال طرف ثالث لا علاقة له بالقضية الأصلية أو عبر رفع دعوى مضادة في محكمة أخرى ثم طلب ضم الدعاوي وتضخيم الملف وتعقيد الدعوى الأصلية بما يطيل إجراءات التقاضي إلى أجل غير مسمى.

3. هناك الكيد الذي يستهدف ابتزاز المدعى عليه كاستصدار حكم قضائي ضده ثم مساومته على التنفيذ أو رفع دعوى بمبالغ ضخمة أو تحتمل صدور عقوبة جنائية ثم المساومة على التصالح .

4. هناك من القضايا الكيدية ما يستهدف بالفعل الاعتداء على حقوق الآخرين وهذه القضايا تتمثل غالباً في قضايا الاستحواذ على الممتلكات والتصرف بها كونه مطلوب قضائياً.

إن تشريع نظام محاربة الدعاوى الكيدية سيقلل كثيرا من المشكلات والاعتداءات اليومية، ويأتي على رأسها إيقاف الاعتداء على حقوق وأعراض وممتلكات الناس.

وخلاصة القول:
إن استمرار القبول بالتقارير الكيدية والمخبر السري وشهادات الزور بناء على نزاعات قديمة أو شخصية وثأرية ونكايات، حوّل العديد من المواطنين الأبرياء إلى متهمين يقبعون في المواقف والسجون وينتقلون بينها، وقد أصبح ذلك تراكماً كمياً كبيراً وظاهرة متفشية، لذلك فإن المسؤولين مطالبون باتخاذ إجراءات حقيقية وعملية لوضع حد لهذه الممارسات ومعاقبة مرتكبيها لرفع الإذلال عن المواطنين الأبرياء، ونصرة العدالة وتطبيق القوانين وتفعيل القضاء والاهتمام به وحمايته من أي تدخل في شؤونه.
................
انها ليست مجرد مفالة أو بحث بل هى تجربة عشتها منذ سبعة أعوام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.