صرخة نملة اسم لفيلم مصرى جميل ومتكامل فى كل عناصره ويحكى عن لقطات متعددة ويشدنى دائما التعايش مع أحداث الفيلم
وكنت قد وجدت تلك الصورة وقمت بتحميلها والاحتفاظ بها منذ مدة
واليوم أوحت لى بالكثير جدا من الأشياء التى مرت وبعضها تخيلت أن تمر بى مع تلك الأحاسيس الرقيقة لهذا المخلوق العجيب وكلنا يعرف الكثير عنه وليس هذا موضوعى بل اركز الأن فى نقل ما أريد ولو كان متفرقا فى أحداثة وليس مرتبا ترتيبا زمنيا وكل ما عندى وأتذكرة انه عشق منى لهذا المخلوق الرائع وبدأت التأمل فى تلك الصورة
لا أنكر بل أقر بأننى شاهدت تلك اللقطة منذ أعوام وكانت لا تتعدى منظر فريد يعجبنى ككل المناظر الغير مألوفة علينا وطبعا قلنا عنها انها صورة جميلة ولا ندرى بأى المقاييس وكانت تحكمنا فى هذا الرأى برغم بشاعة المنظر ولا يعدو أكثر من طفل جميل تم رصده وهو يتأمل فى هذا المخلوق الدقيق وربما يفكر فى اللعب معه
ولا شيئ قاطع يمكن الحكم عليه
كنت فى مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية فى صيف 1994م
وكانت تسليتى الوحيدة فى فترة تواجدى بتلك المدينة الخانقة هى معسكر لمملكة من النمل وتعيش معنا فى المكان الذى يستخدم نهارا كمكتب استشارى وليلا كمسكن لى مع زميلين وكل له حياته ولا تختلف كثيرا فى مثل أوضاعنا ما يفعله زيد أو عبيد فكلنا أغراب فى بلد أعتقدنا فيه الخير وليس مهما ما وجدناه باستدراكنا وغلق الحياة علينا مع رطوبة لم اعرفها من قبل فى كل الأوقات وجو خانق ولا أوكسجين ولا حتى هواء وكانت متعتى أن أملا البانيو فى الليل حتى أستطيع النوم فيه وقت الظهيرة بعد الغذاء وحتى موعد العمل للفترة المسائية
وفى استراحتى من داخل البانيو لاحظت اعداد من النمل تتكاتف لحمل صرصور كبير مات من رش المبيد الحشرى وقمنا نحن بذلك بعدما تكاثرت أعدادها ووجدتنى ابتسم من المنظر فكيف لتلك المجموعة ان تحمل هذا الثقل انها تمزح بحركاتها أمام الجثة وحولها فى كل الإتجاهات وكأنها تحتفل بغذائها وخيوط ومسارات هنا وهناك وكل نملة لها وظيفة فمنها من تحمى الموكب الجنائزى قبل التحرك ومنها من تسرع باستدعاء المزيد من الحمالين ومنها من يحاول فى تقطيع الجثة الى أجزاء كى تسهل عليهم وطبعا لن أكون مبالغا أن قلت وفى خمس دقائق خسرت الرهان واختفى الصرصور واعتقدت انه استيقظ من النوم أو من الموت وهرب من الجمع الخفير والذى تعدى كل حدود الاحصاء ولم أجده حيا ولا ميتا وشدنى الفضول لمعرفة اين اختفى هذا الصرصور ولم اجد غير ثقب صغير بين البانيو والجدار تم اخلاء الاسمنت منه ويدخل اليه النمل ويخرج فى مساراته منتظمة ولكن هذا الثقب بالكاد يدخل احدى أرجل الصرصور وبالعافيه كمان فأين الباقى
حمدت الله على امتلاكى المبيد الحشرى وبه سأحضر لهم فى الغد ان شاء الله جثة وأعرف وكيف يتصرفون فيها وفوجئت بعد هذا اليوم بشهر اننى اصبحت مدمنا لصيد الصراصير من شوارع مدينة الخبر والمدن المجاورة كالدمام والقطيف بعدما انتهت كل صراصير الشقة التى نسكنها ونعمل بها وأقدمها عن طيب خاطر الى معسكر النمل وأنتظر المجموعات وهى تتصرف يوميا فى وجبتها
هذه أولى المواقف واستمرت معى حتى قررت ترك المملكة بجوها الخانق ونملها المسلى فى أوقات الظهيرة متصارعا مع صراصير كنت أصطادها لقتل وقت الفراغ بالتأمل فى معسكر النمل وطلبت يوما من الله ان برزقنى الأجر والثواب على اطعامى لهم بما لا يقل عن 70 صرصور حتى كان قرارى بالخروج النهائى أو بالفرار النهائى
ولا أدرى ما سر تذكرى لهذا مع التأمل فى تلك الصورة ولا أنسى ووصفتها برغم جمالها بالبشاعة ولدى الأسباب
وفى صيف 1997 م
فى مقر الشركة بمنطقة فيصل بالجيزة كانت اللقطة الثانية
ومنذ أسبوع وأضع ملعقة من السكر على الرخامة فى البوفية قبل مغادرتى بعدما تتبعت مسارا رائعا لسرب من النمل يأتى يوميا للحصول على نصيبه من حبيبات السكر واكتشفت انه يأتى من الحمام فى الجهة المقابلة للمطبخ ولا رابط بينهما غير خط مواسير الغاز الطبيعى
وكانت تسمى حنان وتعمل سكرتيرة وهى جميلة فى شكلها وتصرفاتها وحتى دخلت الى فى منتهى النشوة وابتسامتها الواسعة جدا تخبرنى أنها قتلت سربا طويلا من النمل بالبيروسول لأنها لا تحب النمل ويزعجها شكل النملة وهى تتحرك شمالا ويمينا وهى تبدى بسرها لمن تقابلها من زميلات وكأنها تخبرها بوصية خوفا أو حرصا لموتها
ولم اتمالك نفسى عندما وجدت أعداد الأجساد الملتصقة على مواسير الغاز من النمل بعدما قطعت عليهم الطريق برش البيروسول بتلك الطريقة اللاآدمية فشتمتها وأغلقت على نفسى باب المكتب ولم استشعر أن حنان تركت معى العمل لحزنها من السب وليس لحزنها على تلك الأرواح البريئة التى أزهقتها بغبائها كما وصفتها
وذهبت عنى من تكشفت فى صورة مسمى حنان ولا تملك منه شيئا ولم افتقدها برغم ضحكتها الساحرة وكانت تجذبنى
وكنا فى صيف 2005 م أو فى الشتاء فلا فرق هنا بين الصيف والشتاء وكل الايام هنا صيف خانق بسبب مياه البحر الأحمر التى تحيط مدينة جدة وهى كمدينة لها خصوصية لا تتعادل مع أى مدينة فى العالم وربما من أجل هذا يطلقون عليها ( جدة غير ) وليس مهما مفهوم الغير فلكل مفهومه الخاص جدا لهذا الغير وبغض النظر عن مدلول المسمى وكما هو مفهوم لكونها تختلف عن كل مدن المملكة وهناك من يعتبر الاختلاف سلبيا وهناك من يعتبره ايجابيا وانت وكما تبغى وحقا جدة غير وليس مدن المملكة بل كل مدن وقرى ونجوع العالم هى غير ولى من التجارب ما يثبت وكما حدثت معى وليس نقلا عن ولكنها نتيجة عشرة اعوام متتالية فى هذا الغير وربما استطيع فى مذكراتى ان اصف اجزاءا من الغير
ارجع الى هذا الصيف وكان الساعى بالمؤسسة التى اعمل بها بنجالى وفوجئت انه يسمى كبير مياه هكذا اسمه فى الاقامة - كبير مياه - ولم افهم الا بعدما اجابنى ان الاسم يعنى - النهر العظيم - او الكبير ويعتز بذلك جدا وبفخر ويخبرنى - هذا مياه كتير - وابتسم لمعرفتى سبب التسمية وكذلك السبب لطعم القهوة التركى الذى كان يجهزها لى بلا أى طعم حتى اخبرته برجائى الا يسمع كلامى لو طلبت منه قهوة فى وجود ضيوف وأن يكتفى بتجهيز الشاى أو النسكافيه فلا يحتاج منه هذا لمجهود لمعايرة كمية المياه مع البن
وتقع المؤسسة فى وسط المدينة وفى أشهر شوارعها وفى فيلا قديمة نشغل الدرو الأرضى منها فى اعمال المؤسسة والدور الثانى مبيت للعاملين ودور السطح حجرة بما تلزم من مطبخ صغير وحمام واخترت ان اعيش فيها بعيدا عن الدور السفلى ويوميا يأتى كبير مياه لتنظيف السطح الذى كنا نجلس فيه وندخن الشيشة فى الهواء وعلى أضواء المدينة فى كل ليلة
وطلبت من كبير أن يحضر من عنده بعض حبوب الأرز الغير مطهى ووضعها حول السور وفى الأركان ليجدها النمل ويتغذى عليها ولم يبخل كبير مياه وكان كريما جدا وكل يوم تقريبا اراه وهو يضع الحبوب فى اماكن معينة وبعد ما يقرب من عشرة ايام ونظرا لأننى كنت المسئول عن المصروفات بالمؤسسة وجدت كبير مياه يقدم لى الفواتير الخاصة بالمشتريات من بن ونسكافيه وسكر ووجدت فاتورة بملبغ عشرة ريالات وبالاستفسار أخبرتى اته قان بشراء كيس من الأرز كطعام للنمل ولم امانع فى شراء الأرز للنمل بل أخبرته فقط بأن تلك الحسابات تخص المؤسسة ولا بند للنمل فيها ولا داعى لاحضار الفاتورة فى المرات القادمة وأعطيته الفاتورة والعشرة ريالات والغريب أننى لا حظت الدموع تكاد تنزل منه ولم ينقطع عن وضع الأرز كغذاء للنمل حتى تركت تلك المؤسسة
وتلك المقدمة الطويلة لبعض ذكرياتى مع مملكة النمل وتدل على تعلقى بتلك الحشرة الرائعة ولا أدرى ولماذا
أما عن الصورة وما بها من طفل يلعب ولا يستدرك ونملة تقوم برسالتها فى الحياة ولا تدرى ما دورها فخالقها سبحانه وتعالى أعلم بها وبدورها وما نراه منها سوى قشور من تلك المهمة ومؤكد هى لا تعرف اللعب ولا تعرف المزاح وربما تظن ان اصبع ذلك الطفل البرئء ما هى الا من كوارث الدنيا على رأسها ورأس باقى مملكتها وقد تخطرهم لو أفلتت من الموت وبأنها انتصرت على مارد من عالم لا تدرى عنه شيئا أخذ يضايقها فى كل خطواتها ويقطع عليها الطريق
وفى حال موتها وتنتظر المملكة رجوعها ولا تعود ينصب لها العزاء وقد ماتت شهيدة وارتفعت روحها الطيبة الى السماء لتبلغ وأنها أدت ما عليها من رسالة ولا تدرى أن حتفها كان لمجرد طفل يلهو بها لينهى لها تاريخها وتنتهى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.