لو أن هذي المادة المعتمة لبدني تحولت فأصبحت فكرا فهذا البعد الجارح بيننا لن يوقفني عن المسير
لأنني عندئذ رغم المسافة سوف آتيك عبر الحدود البعيدة المترامية إلى المكان الذي تقيم فيه
عندئذ لا يهمني المكان الذي تقف عليه قدمي رغم أنه قد يكون أبعد مكان على الأرض منك
لأن الفكر الرشيق قادر على القفز عبر البحار والأراضي حالما يفكر بالمكان الذي يود أن يكون فيه
لكن واأسفاه
فالتفكير يقتلني لأنني لست فكرا لأقفز عبر الأميال العديدة الشاسعة عندما تتركني وترحل
وحيث أني قد تشكلت من طين وماء فلا بد أن أنتظر الفرصة التي يتيحها الزمن مصحوبا بأحزاني
إنني لا أتلقي شيئا من هذه العناصر البطيئة الحركة سوى الدموع الثقيلة رمزا لحزننا العميق
العنصران الآخران الهواء الرقيق والنار النقية كلاهما لديك حيثما أكون
الأول فكري والثاني رغبتي
هذان المتحركان بيننا دائما في الحضوروالغياب
فإذا ما تبدد هذان العنصران سريعا الحركة في رحلة حب رقيقة إليك فإن حياتي التي تتشكل من أربعة عناصر إذ تصبح اثنين فقط
تهوى إلى قاع الموت مغتمة بحزنها
حتى أستعيد تكوين حياتي الصحيح بتلك الرسائل السريعة التي ترجع إلي منك
لقد عادت الآن مرة ثانية وقد تأكدت من صحتك الجيدة تقص لي أخبارها
تفرحني هذه الأنباء عنك إذ أسمعها لكن السرور لا يدور طويلا
لأنني أبعثها ثانية إليك وسرعان ما يكبر حزني
كيف يتأتى لي التغني بتواضع عن قدرك الرفيع وأنت نفسك أفضل عنصر لدي
ما الذي يمكن أن تجنيه نفسي من امتداحي لنفسي ومن سوى ذاتي امتدح إذا ما امتدحتك
من أجل هذا دعنا نعيش منفصلين ويفقد حبنا الغالي اسم وحدته
حتى أستطيع بهذا الانفصال أن أسلم إليك هذا المديح الذي تستحقه أنت وحدك
أيها الغياب أي عذاب سوف ينجم عنك
لو أن هذا الفراغ البغيض لم يتح لي فرصة طيبة
لقضاء الوقت مع التذكرات الحبيبة التي يعمل الزمن والفكر على إقصائها بطريقة عذبة
لقد علمتني كيف يصير الواحد اثنين بمدح الحاضر هنا وهو البعيد عن العين
يا حبيبي كل أشيائي التي أحبها خذها جميعها ما الذي يمكن أن تكون عندئذ قد أخذت أكثر مما نلته من قبل
ليس هناك حب يا حبيبي يمكن أن تدعوه حبا صادقا كل ما لدي كان لك من قبل أن تأخذ ما أخذته مؤخرا
إذا كنت قد لاقيت من أحبه من أجل حبي لا أستطيع أن ألومك عندما تلقى حبيبي
لكن يمكن أن تلام لو كنت مخادعا لنفسك لنزوة عابثة مقصودة يرفضها قلبك
إني أسامحك على ما سرقت أيها اللص الرقيق رغم أنك استلبت كل فقري
ومع ذلك تعرف أن الأسى يكون أكثر جسامة من احتمال إساءة الحب عن احتمال جرح الكراهة المعروف
أيها الشهواني المهذب يا من تبدو شروره طيبة جذابة اقتلني بنكاياتك لكنا لن نعدو أعداء أبدا
تلك الزلات التي تبيح لنفسك ارتكابها حين أكون غائبا عن قلبك بعض الوقت
جمالك وسنوات عمرك يحتمان وقوع ذلك فالاغراء يقتفي أثرك دائما أينما ذهبت
رقيق أنت حتى يطيب اكتسابك وجميل أنت حتى يلذ انتهابك
فإذا أغرت امرأة واحدا فأي ابن لحواء يمكن أن يتركها مشمئزا قبل نوال بغيتها منه
واها لي عليك الآن أن تحمل وزر مكاني الذي وطئته وأن تكبح جمالك وشبابك الآثمين
اللذين يقودانك إلى مسالك العربدة حيث أكرهت على فصم مزدوج لإخلاصنا
هي بجمالك الذي أغراها بك وأنت بجمالك الذي دفعك إلى خيانتي
حين أغمض عيني فهل ترى حينئذ جيدا
إنها ترى طوال النهار أشياء لا يلتفت إليها لكنني حين أنام فهي تشاهدك في الأحلام
فالضوء المشع في الظلمة ضوء موجه في الظلام
أنت إذن يا من يشيع ظله الضوء كيف تشكل هيئتك الحقيقية مشهدا سعيدا
في وضح النهار مع النور الذي يشع منك بوضوح أكثر إذا كان طيفك في العينين المغلقتين مشرقا إلى هذا الحد
وكيف أستطيع التعبير عن النعمة التي ترفل فيها عيني حينما أنظر إليك في ضوء النهار الحقيقي
إذا كان طيفك الجميل غير المكتمل في الليل الميت خلال النوم العميق يستقر على صفحة عيني المغلقة
تبدو الأيام كلها ليالي حتى ألقاك والليالي تبدو أياما مشرقة إذا أتاحت لي الأحلام أن أراك
حرب قاتلة تدور بين عيني وقلبي كيف أقتسم ما في رؤياك من غنائم
عيني تحجب عن قلبي طلعتك وقلبي يحجب عيني عن مباشرة حقها
يدافع قلبي قائلا إنك تسكن فيه وهو مكان مغلق لم تخترقه أبدا عين إنسان
لكن العينين المدعى عليهما ترفضان التماس القلب تقولان إن محياك الجميل يقيم فيهما
للفصل في هذه القضية فقد أدرجت في جدول المحلفين
تحقيق عن الأفكار كل القضاة انحازوا للقلب
وصدر الحكم بهذا القرار
للعين حظها وللقلب العزيز نصيبه
هكذا صار حظ عيني شكلك الخارجي وصار لقلبي الحق في حبك الصادق العميق
عيني وقلبي عقدا فيما بينهما اتفاقا وصار كل منهما يومئ ودادا للآخر
حين تذوب عيني شوقا إليك أو عندما يتنهد قلبي كتمانا لحبك
مع صورة حبيبي يكون للعين عيدها داعية قلبي لهذا الحفل المزدان
في المرة التالية تكون عيني ضيفا لقلبي حيث تقاسمه أفكاره عن الحبيب
هكذا سواء من خلال صورتك أو من خلال حبي ما تزال حاضرا معي وأنت بعيد
لأنك لست على مسافة أبعد مما يمكن أن تتحرك عندها أفكاري
وأنا ما زلت أصحبها وهي مازالت تصحبك
أما إذا نامت فصورتك باقية في عيني توقظ قلبي إلى مسرة القلب والعين
كم كنت حريصا حين شققت طريقي
كل صغيرة وضعتها خلف حواجز الأمان لتبقى حتى بالنسبة لحاجتي غير مستخدمة
وعن أيدي اللصوص في خزانة أمينة من الثقة
أما أنت يا من تبدو جواهري بالنسبة له شيئا تافها
يا أجدر من ارتحت إليه وأصبح الآن أكبر أحزاني العميقة
يا أعز الأحباب والشيء الوحيد الذي أحرص عليه
لقد صرت نهبا لكل لص زنيم
إنني لم أحبسك في أي صدرإلا حيثما أنت لست موجودا رغم أني أشعر بك
في المختبأ الرقيق لصدري حيث تلقاني وتتركني كيفما يحلو لك
حتى في ذلك المكان أخشى عليك أن يسرقوك فالأمانة تصير لصا إذا التقت شيئا ثمينا مثلك
تحسبا لذلك الوقت لو كان لذلك الوقت أن يجيء حين أراك غاضبا على أخطائي
وحينما يصدر حبك حكمه الأخيرمدعوا للأسباب التي قدرتها إلى ذلك الرأي الدقيق
توقعا لذلك الزمن الذي فيه تعبر الطريق أمامي كالغريب دون أن تحييني بتلك الشمس بنظرة من عينيك
حين يتحول حبك عن الشيء الذي كان له ستجد الأسباب التي لا يتغير ثقلها
تحوطا لذلك العهد فإنني أحصن نفسي هنا في حدود معرفتي بقيمتي الشخصية
وهذه يدي أرفعها شاهدا ضد نفسي مدافعا عن الأسباب المشروعة في جانبك
وأنت مفترق عني بؤسا لي فقوة الحق لديك
ولماذا تحبني مادمت لا أملك سببا يملي الحب عليك
ما أثقل الوطأة التي أرحل بها على الطريق حين يكون ما أنشده نهاية رحلتي الأليمة
هل يعلمني ذلك اليسر وتلك الراحة أن أقول ما أبعد هذه الأميال التي تقصيك
الدابة التي تحملني متعبة بمحنتي تتثاقل مبطئة في مشيتها لتحتمل الثقل الذي بداخلي كأنما بشيء من الغريزة
عرفت هذه المسكينة أن راكبها لا يحب السرعة طالما جعلته بعيدا عنك
المهماز الدامي لا يستطيع أن يستحثها قدما عندما يخزها الغضب في ضلعيها
فتجيبني مثقلة بالأنين إجابة أكثر حدة لي من المهماز في جنبيها
لأن نفس هذا الأنين يجعلني أتذكر حالي وحزني العميق أمامي وفرحتي خلفي
هكذا يمكن أيها الحبيب أن تغفر إساءة البطء لمطيتي الكسول وأنا أعد الخطى مبتعدا عنك
فلماذا أستعجل نفسي من حيثما أنت مقيم وحتى أعود ليس هناك ما يدعو للعجلة
أي عذر إذن يمكن أن تراه دابتي البائسة حين يبدو الحد الأقصى للسرعة بطيئا
أينبغي علي استخدام المهماز رغم أني أمتطي الرياح في السرعة المجنحة لا أقوى على تمييز الحركة
إذن ليس هناك حصان يستوي في سرعته مع رغبتي
لهذا لو شبت الرغبة في اكتمال الحب لن يثقلها تراب الجسد في اندفاعها الملتهب
لكن الحب من أجل الحب هو العذر الذي يصفح عن فرسي العجوز
لقد أبطأت خطاه السير لأنه يمشي مبتعدا عنك لكنني أتركه يمشي وأجري أنا لو كنت راجعا إليك
ها أنذا كالرجل الغني الذي يستطيع مفتاحه السعيد أن يفتح له كنوزه البديعة المغلقة
التي لا يعانيها ساعة بعد ساعة كيلا يتبلد إحساسه باللحظة المرهفة للذته النادرة
لهذا يكون للأعياد جلالها وندرتها
ما دامت نادرا ما تجيء على مدار العام الطويل
كالأحجار الكريمة إذ توضع على مسافات متباعدة
أو الجواهر الرئيسية في القلادة
هكذا هو الزمن الذي يحفظك مثل صدري
أو كخزانة الثياب التي فيها يختبئ الرداء ليصنع لحظة خاصة لها سعادتها الخاصة
حين تتجلى للعين من جديد أشياؤه السجينة التي يعتز بها
أنت النعيم الحق الذي يفتح طاقة الرؤى إن كنت حاضرا كنت النصر وإن غبت كنت الأمل
من أي خامة أنت من أي شيء صنعت حتى تسهر ملايين الظلال الغريبة عليك
فكل واحد له ظل وحيد بينما أنت في انفرادك تضفي جميع الظلال
الصورة التي أرسمها تقليدا رديئا لو قورنت بك
على صفحة وجهك تجمعت كل فنون الجمال وأنت مرسوم من جديد
معبرا عن الربيع وعن حصاد السنة
يبدو الربيع ظلا لجمالك
ويظهر الحصاد كأنه كرمك الفياض وأنت في كافة أشكال النعيم التي نعرفها
في كل الأشياء الخارجية الجميلة شيء منك
لكنك أنت لا تشبه أحدا ولا أحد يشبهك في قلبك الوفي
إلى أي حد يستطيع الجمال أن يكون أكثر جمالا بهذه الحلية الرائعة التي يضيفها الصدق
الوردة تبدو جميلة لكننا نحس بها أكثر جمالا من أجل ذلك العطر البديع الذي يعيش فيها
الورود البرية لها نفس اللون المشبع العميق كلون الورود الحقيقية المفعمة بالعطر
بازغة على الغصون الشائكة تتمايل في رشاقة حين تهب أنفاس الصيف وتفتح براعمها المغلقة
ولأن شكلها الخارجي هو ميزتها الوحيدة فقط فهي تعيش دونما اعتبار
وتذوي دونما تقدير
تموت في داخل ذاتها
وليس الأمر في الورد الجميل هكذا فمن موته البديع تصنع أبدع العطور
هكذا أمرك أنت أيضا عندما ترتحل سنقطر منك الصدق
لا الرخام ولا النصب التذكارية المذهبة يمكن أن تعَمر أكثر من هذا القصيد الرصين
لكنك أنت سوف تشع مزيدا من الضوء في هذه المضامين
وليس في النصب الحجري غير المشذب الذي لطخه الزمان اللعين
حين تسقط الحرب المدمرة التماثيل وتهدم المعارك المباني المشيدة
فلا سيف مارس ولا نار الحرب المندلعة يمكن أن تحرق هذا السجل الحي لذكراك
ضد الموت وعدوانية الانسان يمتد ذكرك ويبقى لامتداحك دائما مكان
في كل عيون الأجيال القادمة التي ستحيا في هذه الدنيا إلى يوم القيامة
هكذا إلى أن تنهض في يوم الدين تبقى حيا مقيما في عيون المحبين
أيها الحب الغالي جدد قواك حتى لا يقال إن قوتك الروحية أضعف من رغبتك الحسية
التي ما زالت حتى اليوم راضية بما يشبعها لكنها ستعود غدا إلى حدتها السابقة
لتكن أنت أيضا كذلك أيها الحب
فمع أنك اليوم تشبع عينيك الجائعتين حتى تغمضان ممتلئتين
أنظر إلى الغد مرة أخرى ولا تقتل روح الحب بالاغفال المتواصل
دع هذه الحقبة المؤسفة التي تشبه المحيط
عندما يشق الأرض التي يقف عليها حبيبان تعاهدا مؤخرا
إنهما يجيئان كل يوم إلى الضفاف لعل روعة المشهد تزداد عندما يشاهدان الحب العائد
كأنها الشتاء كلما زادت برودته القارسة إزداد شوقنا لمجيء الصيف أضعافا
مرتقبا الساعات والأزمنة التي تحمل رغبتك
ليس لدي وقت ثمين لأنفقه ولا خدمات أؤديها حتى تطلبها
كما أنني لا أجرؤ على توبيخ الدنيا التي تمد ساعاتها المضجرة بلا نهاية
بينما أرقب الساعة في انتظار مجيئك دون التفكير في مذاق غيابك
ولا أجرؤ على مناقشة أفكاري الغيورة
أين يمكن أن تكون
أو كيف هي أحوالك المفترضة
لكنني كالحزين أبقى ساكنا ولا أفكر بشيء
سوى أن المكان الذي أنت فيه يفيض منك بالفرح على من فيه
مجنون حقا هو الحب فمهما رغبت وكيفما أردت فهو لا يفكر بالسوء في أي شيء فعلت
أدعو الله
أن يحرم على التفكير في السيطرة على أوقات نشوتك
أو ان أصبو إلى محاسبتك على كيفية إنفاقك للساعات
فما دمت أسير نعمتك علي أن أنتظر وقت فراغك
ولأبق إذن في معاناتي طالما بقيت رهن أمرك سجين الغياب الذي تحياه حرا
الصبر الذي صار أليف المعاناة يحتمل كل كبح دون أن يدينك لأي جرح
كن حيثما تشاء فإن صفاتك بالغة القوة لتكون أنت بنفسك ميزة لعصرك
فالشيء الذي ترغب فيه يصبر حقا لك فتغفر لنفسك الجرائم التي تقترفها
علي أن أنتظر رغم أن الانتظار على هذا النحو جحيم بلا لوم لمسراتك سواء كانت في الاثم أو في الفعل الحكيم
لو لم يكن هناك شيء جديد سوى ما كان من قبل فيا للخداع الذي استولى على عقولنا
وهي تكد في اختراعاتها تحمل بطريقة خاطئة حملها الثاني للطفل الذي جاء من قبل
لو أن ذلك السجل يستطيع بنظرة إلى الوراء حتى ولو لخمسمائة عام تحت مدار الشمس
أن يريني صورتك في واحد من كتب القدماء منذ دونَ العقل أفكاره بالحروف
حتى أرى ما قيل في العالم القديم عن هذه الروعة في تكوينك
هل صورتنا نحن الأفضل أم صورتهم
أم أن دورة السنين تستعيد نفسها
واثق أنا من أن مفكري الأزمنة الزائلة امتدحوا بإعجاب أشخاصا أدنى منك منزلة
مثلما تتلاحق الأمواج نحو الشاطئ المفروش بالحصى تسرع أيضا دقائقنا إلى نهاياتها
تحل كل منها مكان التي مضت قبلها
في جهد متتابع وتنافس بينها جميعا في حركتها إلى الأمام
بعدما يأتي الوليد إلى نور الحياة يحبو حتى ينضج فإذا ما توجته الأيام
أنشبت مخالب الخسوف الخراب فيما له من البهاء
والزمن الذي وهب يدمر الآن ما له من العطاء
يسلب الزمان زهرة الشباب من نطاقها ويحفر خطوط التجاعيد المتوازية في جمال الجبين
يقتات بالكائنات النادرة التي بلغت في الطبيعة حد الكمال
ولا شيء ينهض لمواجهة منجله القهار
لكن الأمل في الأزمنة المقبلة يشحذ شعري بالتحمل مثنيا على فضائلك رغم يده القاسية
أهي إرادتك أن تبقي عينى مفتوحين أمام هذا الليل الأليم
أأنت ترغب في ذود النوم عن عيني بينما الظلال التي تشبهك تسخر من مشهدي
هل هو شبحك الذي بعثت به من داخلك إلى أقصى مكان في موطني للتلصص على أفعالي
واكتشاف المخازي وساعات الصعلكة في حياتي
في رؤى غيرتك وتسلطها
لا فرغم حبك الوافر فهو ليس عظيما
إن حبي لك هو الذي يبقي عيني يقظتين
حبي أنا الصادق هو الذي يدمر راحتي ليلعب دور الحارس من أجلك إلى الأبد
من أجلك أبقى ساهرا عليك بينما تسهر أنت في مكان آخر شديد البعد عني مع آخرين في غاية القرب منك
خطيئة حب النفس تستحوذ على كل ما تراه عيني وروحي كلها وكل جزء في كياني
وليس لهذه الخطيئة أي شفاء فهي راسخة تماما في أعماق قلبي
أعتقد أنه ليس هناك وجه يسر القلب مثل وجهي ولا شكل صادق إلى هذا الحد ولا صدق بهذه الدرجة
من أجل نفسي أحدد قيمتي الخاصة لأنني أفوق الآخرين كلهم في جميع القيم
لكن مرآتي عندما تعكس نفسي على حقيقتها
فإنني أطالع حبي لذاتي على نحو مختلف تماما وأدرك أن حب النفس لذاتها هو الخطيئة
أنت نفسي التي أمدحها لنفسي وأنا ألون عمري بجمال أيامك
حتى لا يصير حبيي إلى نفس حالتي الراهنة منسحقا مستهلكا بيد الزمن الجارح
وقد استنزفت دماءه الساعات وملأت جبينه بالخطوط والتجاعيد
حين يكون فجر شبابه قد ارتحل إلى هاوية العمر المظلمة
وكل هذا الجمال الذي هو الآن ملك عليه في طريقه للزوال
أو يكون قد اختفى من مرأى العين منتبها كنز ربيعه إلى مكان بعيد
لمثل هذا الزمن أقيم الآن هذه التحصينات ضد سكين العمر القاسية المدمرة
حتى لا تستطيع أن تقتطع من الذاكرة جمال حبي الغالي رغم حياته الفانية
سيكون جماله في هذه السطور السوداء مرئيا للأنظار لأنها ستبقى حية
وسيبقى هو فيها دائم الإخضرار
عيني تحجب عن قلبي طلعتك وقلبي يحجب عيني عن مباشرة حقها
يدافع قلبي قائلا إنك تسكن فيه وهو مكان مغلق لم تخترقه أبدا عين إنسان
لكن العينين المدعى عليهما ترفضان التماس القلب تقولان إن محياك الجميل يقيم فيهما
للفصل في هذه القضية فقد أدرجت في جدول المحلفين
تحقيق عن الأفكار كل القضاة انحازوا للقلب
وصدر الحكم بهذا القرار
للعين حظها وللقلب العزيز نصيبه
هكذا صار حظ عيني شكلك الخارجي وصار لقلبي الحق في حبك الصادق العميق
عيني وقلبي عقدا فيما بينهما اتفاقا وصار كل منهما يومئ ودادا للآخر
حين تذوب عيني شوقا إليك أو عندما يتنهد قلبي كتمانا لحبك
مع صورة حبيبي يكون للعين عيدها داعية قلبي لهذا الحفل المزدان
في المرة التالية تكون عيني ضيفا لقلبي حيث تقاسمه أفكاره عن الحبيب
هكذا سواء من خلال صورتك أو من خلال حبي ما تزال حاضرا معي وأنت بعيد
لأنك لست على مسافة أبعد مما يمكن أن تتحرك عندها أفكاري
وأنا ما زلت أصحبها وهي مازالت تصحبك
أما إذا نامت فصورتك باقية في عيني توقظ قلبي إلى مسرة القلب والعين
كم كنت حريصا حين شققت طريقي
كل صغيرة وضعتها خلف حواجز الأمان لتبقى حتى بالنسبة لحاجتي غير مستخدمة
وعن أيدي اللصوص في خزانة أمينة من الثقة
أما أنت يا من تبدو جواهري بالنسبة له شيئا تافها
يا أجدر من ارتحت إليه وأصبح الآن أكبر أحزاني العميقة
يا أعز الأحباب والشيء الوحيد الذي أحرص عليه
لقد صرت نهبا لكل لص زنيم
إنني لم أحبسك في أي صدرإلا حيثما أنت لست موجودا رغم أني أشعر بك
في المختبأ الرقيق لصدري حيث تلقاني وتتركني كيفما يحلو لك
حتى في ذلك المكان أخشى عليك أن يسرقوك فالأمانة تصير لصا إذا التقت شيئا ثمينا مثلك
تحسبا لذلك الوقت لو كان لذلك الوقت أن يجيء حين أراك غاضبا على أخطائي
وحينما يصدر حبك حكمه الأخيرمدعوا للأسباب التي قدرتها إلى ذلك الرأي الدقيق
توقعا لذلك الزمن الذي فيه تعبر الطريق أمامي كالغريب دون أن تحييني بتلك الشمس بنظرة من عينيك
حين يتحول حبك عن الشيء الذي كان له ستجد الأسباب التي لا يتغير ثقلها
تحوطا لذلك العهد فإنني أحصن نفسي هنا في حدود معرفتي بقيمتي الشخصية
وهذه يدي أرفعها شاهدا ضد نفسي مدافعا عن الأسباب المشروعة في جانبك
وأنت مفترق عني بؤسا لي فقوة الحق لديك
ولماذا تحبني مادمت لا أملك سببا يملي الحب عليك
ما أثقل الوطأة التي أرحل بها على الطريق حين يكون ما أنشده نهاية رحلتي الأليمة
هل يعلمني ذلك اليسر وتلك الراحة أن أقول ما أبعد هذه الأميال التي تقصيك
الدابة التي تحملني متعبة بمحنتي تتثاقل مبطئة في مشيتها لتحتمل الثقل الذي بداخلي كأنما بشيء من الغريزة
عرفت هذه المسكينة أن راكبها لا يحب السرعة طالما جعلته بعيدا عنك
المهماز الدامي لا يستطيع أن يستحثها قدما عندما يخزها الغضب في ضلعيها
فتجيبني مثقلة بالأنين إجابة أكثر حدة لي من المهماز في جنبيها
لأن نفس هذا الأنين يجعلني أتذكر حالي وحزني العميق أمامي وفرحتي خلفي
هكذا يمكن أيها الحبيب أن تغفر إساءة البطء لمطيتي الكسول وأنا أعد الخطى مبتعدا عنك
فلماذا أستعجل نفسي من حيثما أنت مقيم وحتى أعود ليس هناك ما يدعو للعجلة
أي عذر إذن يمكن أن تراه دابتي البائسة حين يبدو الحد الأقصى للسرعة بطيئا
أينبغي علي استخدام المهماز رغم أني أمتطي الرياح في السرعة المجنحة لا أقوى على تمييز الحركة
إذن ليس هناك حصان يستوي في سرعته مع رغبتي
لهذا لو شبت الرغبة في اكتمال الحب لن يثقلها تراب الجسد في اندفاعها الملتهب
لكن الحب من أجل الحب هو العذر الذي يصفح عن فرسي العجوز
لقد أبطأت خطاه السير لأنه يمشي مبتعدا عنك لكنني أتركه يمشي وأجري أنا لو كنت راجعا إليك
ها أنذا كالرجل الغني الذي يستطيع مفتاحه السعيد أن يفتح له كنوزه البديعة المغلقة
التي لا يعانيها ساعة بعد ساعة كيلا يتبلد إحساسه باللحظة المرهفة للذته النادرة
لهذا يكون للأعياد جلالها وندرتها
ما دامت نادرا ما تجيء على مدار العام الطويل
كالأحجار الكريمة إذ توضع على مسافات متباعدة
أو الجواهر الرئيسية في القلادة
هكذا هو الزمن الذي يحفظك مثل صدري
أو كخزانة الثياب التي فيها يختبئ الرداء ليصنع لحظة خاصة لها سعادتها الخاصة
حين تتجلى للعين من جديد أشياؤه السجينة التي يعتز بها
أنت النعيم الحق الذي يفتح طاقة الرؤى إن كنت حاضرا كنت النصر وإن غبت كنت الأمل
من أي خامة أنت من أي شيء صنعت حتى تسهر ملايين الظلال الغريبة عليك
فكل واحد له ظل وحيد بينما أنت في انفرادك تضفي جميع الظلال
الصورة التي أرسمها تقليدا رديئا لو قورنت بك
على صفحة وجهك تجمعت كل فنون الجمال وأنت مرسوم من جديد
معبرا عن الربيع وعن حصاد السنة
يبدو الربيع ظلا لجمالك
ويظهر الحصاد كأنه كرمك الفياض وأنت في كافة أشكال النعيم التي نعرفها
في كل الأشياء الخارجية الجميلة شيء منك
لكنك أنت لا تشبه أحدا ولا أحد يشبهك في قلبك الوفي
إلى أي حد يستطيع الجمال أن يكون أكثر جمالا بهذه الحلية الرائعة التي يضيفها الصدق
الوردة تبدو جميلة لكننا نحس بها أكثر جمالا من أجل ذلك العطر البديع الذي يعيش فيها
الورود البرية لها نفس اللون المشبع العميق كلون الورود الحقيقية المفعمة بالعطر
بازغة على الغصون الشائكة تتمايل في رشاقة حين تهب أنفاس الصيف وتفتح براعمها المغلقة
ولأن شكلها الخارجي هو ميزتها الوحيدة فقط فهي تعيش دونما اعتبار
وتذوي دونما تقدير
تموت في داخل ذاتها
وليس الأمر في الورد الجميل هكذا فمن موته البديع تصنع أبدع العطور
هكذا أمرك أنت أيضا عندما ترتحل سنقطر منك الصدق
لا الرخام ولا النصب التذكارية المذهبة يمكن أن تعَمر أكثر من هذا القصيد الرصين
لكنك أنت سوف تشع مزيدا من الضوء في هذه المضامين
وليس في النصب الحجري غير المشذب الذي لطخه الزمان اللعين
حين تسقط الحرب المدمرة التماثيل وتهدم المعارك المباني المشيدة
فلا سيف مارس ولا نار الحرب المندلعة يمكن أن تحرق هذا السجل الحي لذكراك
ضد الموت وعدوانية الانسان يمتد ذكرك ويبقى لامتداحك دائما مكان
في كل عيون الأجيال القادمة التي ستحيا في هذه الدنيا إلى يوم القيامة
هكذا إلى أن تنهض في يوم الدين تبقى حيا مقيما في عيون المحبين
أيها الحب الغالي جدد قواك حتى لا يقال إن قوتك الروحية أضعف من رغبتك الحسية
التي ما زالت حتى اليوم راضية بما يشبعها لكنها ستعود غدا إلى حدتها السابقة
لتكن أنت أيضا كذلك أيها الحب
فمع أنك اليوم تشبع عينيك الجائعتين حتى تغمضان ممتلئتين
أنظر إلى الغد مرة أخرى ولا تقتل روح الحب بالاغفال المتواصل
دع هذه الحقبة المؤسفة التي تشبه المحيط
عندما يشق الأرض التي يقف عليها حبيبان تعاهدا مؤخرا
إنهما يجيئان كل يوم إلى الضفاف لعل روعة المشهد تزداد عندما يشاهدان الحب العائد
كأنها الشتاء كلما زادت برودته القارسة إزداد شوقنا لمجيء الصيف أضعافا
مرتقبا الساعات والأزمنة التي تحمل رغبتك
ليس لدي وقت ثمين لأنفقه ولا خدمات أؤديها حتى تطلبها
كما أنني لا أجرؤ على توبيخ الدنيا التي تمد ساعاتها المضجرة بلا نهاية
بينما أرقب الساعة في انتظار مجيئك دون التفكير في مذاق غيابك
ولا أجرؤ على مناقشة أفكاري الغيورة
أين يمكن أن تكون
أو كيف هي أحوالك المفترضة
لكنني كالحزين أبقى ساكنا ولا أفكر بشيء
سوى أن المكان الذي أنت فيه يفيض منك بالفرح على من فيه
مجنون حقا هو الحب فمهما رغبت وكيفما أردت فهو لا يفكر بالسوء في أي شيء فعلت
أدعو الله
أن يحرم على التفكير في السيطرة على أوقات نشوتك
أو ان أصبو إلى محاسبتك على كيفية إنفاقك للساعات
فما دمت أسير نعمتك علي أن أنتظر وقت فراغك
ولأبق إذن في معاناتي طالما بقيت رهن أمرك سجين الغياب الذي تحياه حرا
الصبر الذي صار أليف المعاناة يحتمل كل كبح دون أن يدينك لأي جرح
كن حيثما تشاء فإن صفاتك بالغة القوة لتكون أنت بنفسك ميزة لعصرك
فالشيء الذي ترغب فيه يصبر حقا لك فتغفر لنفسك الجرائم التي تقترفها
علي أن أنتظر رغم أن الانتظار على هذا النحو جحيم بلا لوم لمسراتك سواء كانت في الاثم أو في الفعل الحكيم
لو لم يكن هناك شيء جديد سوى ما كان من قبل فيا للخداع الذي استولى على عقولنا
وهي تكد في اختراعاتها تحمل بطريقة خاطئة حملها الثاني للطفل الذي جاء من قبل
لو أن ذلك السجل يستطيع بنظرة إلى الوراء حتى ولو لخمسمائة عام تحت مدار الشمس
أن يريني صورتك في واحد من كتب القدماء منذ دونَ العقل أفكاره بالحروف
حتى أرى ما قيل في العالم القديم عن هذه الروعة في تكوينك
هل صورتنا نحن الأفضل أم صورتهم
أم أن دورة السنين تستعيد نفسها
واثق أنا من أن مفكري الأزمنة الزائلة امتدحوا بإعجاب أشخاصا أدنى منك منزلة
مثلما تتلاحق الأمواج نحو الشاطئ المفروش بالحصى تسرع أيضا دقائقنا إلى نهاياتها
تحل كل منها مكان التي مضت قبلها
في جهد متتابع وتنافس بينها جميعا في حركتها إلى الأمام
بعدما يأتي الوليد إلى نور الحياة يحبو حتى ينضج فإذا ما توجته الأيام
أنشبت مخالب الخسوف الخراب فيما له من البهاء
والزمن الذي وهب يدمر الآن ما له من العطاء
يسلب الزمان زهرة الشباب من نطاقها ويحفر خطوط التجاعيد المتوازية في جمال الجبين
يقتات بالكائنات النادرة التي بلغت في الطبيعة حد الكمال
ولا شيء ينهض لمواجهة منجله القهار
لكن الأمل في الأزمنة المقبلة يشحذ شعري بالتحمل مثنيا على فضائلك رغم يده القاسية
أهي إرادتك أن تبقي عينى مفتوحين أمام هذا الليل الأليم
أأنت ترغب في ذود النوم عن عيني بينما الظلال التي تشبهك تسخر من مشهدي
هل هو شبحك الذي بعثت به من داخلك إلى أقصى مكان في موطني للتلصص على أفعالي
واكتشاف المخازي وساعات الصعلكة في حياتي
في رؤى غيرتك وتسلطها
لا فرغم حبك الوافر فهو ليس عظيما
إن حبي لك هو الذي يبقي عيني يقظتين
حبي أنا الصادق هو الذي يدمر راحتي ليلعب دور الحارس من أجلك إلى الأبد
من أجلك أبقى ساهرا عليك بينما تسهر أنت في مكان آخر شديد البعد عني مع آخرين في غاية القرب منك
خطيئة حب النفس تستحوذ على كل ما تراه عيني وروحي كلها وكل جزء في كياني
وليس لهذه الخطيئة أي شفاء فهي راسخة تماما في أعماق قلبي
أعتقد أنه ليس هناك وجه يسر القلب مثل وجهي ولا شكل صادق إلى هذا الحد ولا صدق بهذه الدرجة
من أجل نفسي أحدد قيمتي الخاصة لأنني أفوق الآخرين كلهم في جميع القيم
لكن مرآتي عندما تعكس نفسي على حقيقتها
فإنني أطالع حبي لذاتي على نحو مختلف تماما وأدرك أن حب النفس لذاتها هو الخطيئة
أنت نفسي التي أمدحها لنفسي وأنا ألون عمري بجمال أيامك
وقد استنزفت دماءه الساعات وملأت جبينه بالخطوط والتجاعيد
حين يكون فجر شبابه قد ارتحل إلى هاوية العمر المظلمة
وكل هذا الجمال الذي هو الآن ملك عليه في طريقه للزوال
أو يكون قد اختفى من مرأى العين منتبها كنز ربيعه إلى مكان بعيد
لمثل هذا الزمن أقيم الآن هذه التحصينات ضد سكين العمر القاسية المدمرة
حتى لا تستطيع أن تقتطع من الذاكرة جمال حبي الغالي رغم حياته الفانية
سيكون جماله في هذه السطور السوداء مرئيا للأنظار لأنها ستبقى حية
وسيبقى هو فيها دائم الإخضرار
حين رأيت يد الزمن الباطشة قد شوهت الآثار المحتالة الباذخة للأزمنة البالية الدفينة
والأبراج التي كانت ذات يوم شاهقة منيعة تهوي إلى الحضيض والشواهد النحاسية التي لا تبلى تسحقها الثورة الداهمة
عندما شاهدت المحيط النهم يحتال على مملكة الشاطئ
وما تجنيه الأرض الصلدة من عرض المحيط يزداد الرصيد بقدر الخسائر والخسائر بقدر الرصيد
حين رأيت هذه التحولات المتبادلة والأمم نفسها وقد سقطت في براثن الفناء
علمني الخراب ما دفعني لهذه التأملات سيأتي حتما الزمن الذي يأخذ حبيبي بعيدا
هذه الفكرة كالموت تماما لا تملك معها أن تختار شيئا سوى أن تبكي على امتلاك ما تخاف أن تفقده
لا النحاس ولا الأحجار ولا الأرض ولا البحار اللانهائية
إلا ويطيح الفناء الأليم بقوتها
فكيف أمام هذا الغضب الماحق يلتمس الجمال الرحمة وهو الذي لا تزيد قوته عن قوة الزهرة
كيف تصمد أنفاس الصيف الممتعة ضد الحصار المدمر للأيام الساحقة
حين تكون الصخور المنيعة أقل ثباتا والبوابات الصلبة ليست قوية بما يكفيها لمجابهة الزمن الذي يفنيها
يا للتأملات المخيفة
هل تثوي لؤلؤة الزمن المثلى خبيئة عن صدر الزمن
وأي يد قوية يمكنها أن تمسك قدمه السريعة عن الحركة
أو من ذا يمنعه عن تخريب الجمال
لا أحد إلا إذا أتيحت القوة لهذه المعجزة
فيبقى حبي مشعا بالضوء وهو حبر أسود
متعبا من كل ذلك أصبح طالبا الموت المريح
حين ألاحظ
أن الناس التافهين داخل إطار من البهجة الصاخبة
وأصدق الإيمان يقسم به تضليلا
والشرف الرفيع يتخذ بالخزي غير مكانته
والفضيلة العذراء تصير بالوقاحة بغيا
والكمال الصحيح تلحقه الإساءة بالعار
والقوة تصبح بالتراخي معوقة
والفن بالسلطة ملجم اللسان
والغباء ديكتاتور يحكم الذكاء
والحقيقة الواضحة بالسذاجة تسمى زورا
والخير أسير تحت حراسة الشر الخطير
متعبا من كل هذا كم أتمنى أن أنطوي بعيدا لولا أني حين أموت أترك من أحبه وحيدا
لماذا عليه إذن أن يعيش بهذه العلة ويعفو وجوده عن هذا العقوق
حتى تجد الآثام فيه فرصة لتحقيق مأربها عاقدة لنفسها الرباط بعالمه
لماذا يقلد الرسم الكاذب وجنتيه ويسوق الرؤية الميتة من رحيق حياته
ولماذا يبحث الجمال المسكين بطريقة ملتوية عن زهور الظل مادامت له وردته الصادقة
لماذا عليه إذن أن يعيش بعدما صارت الطبيعة مفلسة
خاوية من الدم الذي يندفع خلال العروق الحية
لأنها لا تملك الآن أي مورد سواه
والكثير مما تختال به يستمد الحياة مما لديه
يا لها إنها تختزنه لتظهر قدر الثروة التي كانت تملكها
منذ زمان بعيد قبل مجيء هذا الزمن الأخير الشديد السوء
هكذا تبدو وجنته مثل خريطة من سالف الزمان حين كان الجمال يحيا ويموت كما الزهور
قبل ميلاد سمات الحسن أو الجفاف الذي صار مقيما في الجبين
قبل أن تصبح ضفائر الميت الذهبية حقا للمقبرة وتم قصها
لتعيش حياة ثانية على رأس أخرى
في العصر القديم لم يستخدم أبدا شعر جميل لأحد الموتى في صناعة جمال آخر
تلك الأيام القديمة المباركة يمكن رؤيتها فيه بذاتها وصدقها بلا زينة من أي نوع
فهو لا يصنع صيفا من خضرة الغير
ولا يسرق شيئا قديما ليلبس جماله شيئا جديدا
لهذا تختزنه الطبيعة كالخريطة المرسومة
حتى يرى الفن المزيف كيف كان الجمال في العصور القديمة
تلك الأجزاء التي تراها عين العالم منك لا ينقصها في خواطر القلوب شيء يمكن تقويمه
جميع الألسنة التي تعبر عما في الروح توفيك في ذلك ما يجدر بك
تنطق بالحقيقة العارية التي يعترف بها الأعداء كذلك
هكذا يتوج المديح الخارجي هيئتك الخارجية
لكن نفس هذه الألسنة التي تعطيك ما هو حق لك تفسد هذا المديح نفسه بمقولات أخرى
حين ترى أبعد مما يبدو للعين
إنهم ينظرون إلى جمال عقلك
ويقيسون من خلال أعمالك ما كانوا يقدرونه بالحدس
ورغم نظرتهم الطيبة فإن أفكار هؤلاء
تربط ما بين زهرتك البديعة والرائحة الكريهة للأعشاب الضارة
أما سبب التناقض بين جوهرك ومظهرك يكمن في هبوطك إلى مستوى العامة
ذلك اللوم الذي وقع عليك لم يكن لنقص فيك لأن القذف يهدف دائما إلى تشويه الجمال
ومن علامات الجمال أن يكون موضع الظن مثل الغراب يحلق في أعذب أجواء السماء
وما دمت طيب الخلق
فكل ما يؤكده الافتراء عليك أن منزلتك هي الأعلى رغم شرور العصر التي نالتك
لأن الديدان تقضي على البراعم الرقيقة التي تحبها
بينما تقدم أنت صورة النقي المهذب
لقد عبرت في كمين الأيام الشابة الأولى وسواء لم يهاجمك أحد أو أنك انتصرت عندما هوجمت
فإن مديحي لن يوفيك حقك ليوقف الحسد الذي يزداد دائما لك
لو لم يصنع بعض الظن السيء قناعا يخفي طلعتك
لكنت وحدك الجدير بالسيادة على ممالك القلوب
ومن علامات الجمال أن يكون موضع الظن مثل الغراب يحلق في أعذب أجواء السماء
وما دمت طيب الخلق
فكل ما يؤكده الافتراء عليك أن منزلتك هي الأعلى رغم شرور العصر التي نالتك
لأن الديدان تقضي على البراعم الرقيقة التي تحبها
بينما تقدم أنت صورة النقي المهذب
لقد عبرت في كمين الأيام الشابة الأولى وسواء لم يهاجمك أحد أو أنك انتصرت عندما هوجمت
فإن مديحي لن يوفيك حقك ليوقف الحسد الذي يزداد دائما لك
لو لم يصنع بعض الظن السيء قناعا يخفي طلعتك
لكنت وحدك الجدير بالسيادة على ممالك القلوب
لا تواصل البكاء علي عندما أموت لمدى أبعد من سماعك الجرس المؤكد الجهم
حذر الناس بأنني قد هربت من سكنى هذا العالم المفترس وديدانه الأشد افتراسا
ليس هذا فحسب فلو قرأت هذا السطر لا تتذكر اليد التي دونته لأنني أحبك إلى حد بعيد
إلى حد وجوب نسياني من أفكارك الطيبة لو كان التفكير فيّ يسبب الآلام لك
لو أنك نظرت إلى هذه الأشعار ربما بعدما أصير ممزجا مع الطين
لا ترددها كثيرا كاسمي المسكين
بل دع حبك يذوي سويا مع حياتي التي ذوت
كيلا ينعم العالم العاقل النظر في مبكاك ويسخر منك بسببي بعدما أكون قد رحلت
لئلا يتحداك العالم أن تذكر له شيئا عن المزية التي عاشت داخلي واستوجبت حبك
بعد موتي أيها الحبيب الغالي فلتنسني تماما لأنك لن تجد لدي شيئا يستحق البرهان
ما لم تلجأ إلى بعض الأكاذيب الفاضلة لتفعل من أجلي أكثر مما تستحقه ذاتي
وتضفي مزيدا من الاطراء على شخصي الفاني أكثر مما تقوى الحقيقة البائسة على البوح به
ولئلا يبدو حبك الصادق في هذا الشأن كاذبا فتتحدث عني بسبب الحب حديثاً طيبا ليس صادقا
سيكون اسمي مدفونا حيثما يدفن جسدي
ولن يكون بعد ذلك حيا ليلحق العار لا بي ولا بك
لأنني خجلان مما أكتبه الآن وفيما بعد
وهذا ما يجب عليك أنت كذلك، حين تحب الأشياء التي لا قيمة لها
ذلك الفصل من فصول السنة يمكن أن تراه في مشاعري
حين يكون الورق الأصفر أو القليل أو لاشيء عالقا على تلك الغصون تهتز في مجابهة البرد
آلات عزف عارية محطمة غنت عليها الطيور الأثيرة ذات يوم
في كياني ترى الشفق الذي كان في ذلك اليوم يذوي في الغرب مثل الشمس بعد الغروب
تأخذها الليلة الظلماء إلى مكان بعيد
حيث الوجه الآخر للموت يطوي الجميع في هدوء
وترى في وجودي توقد ذلك اللهب الذي يتمدد الآن على رماد شبابه
كأنه على سرير الموت حيث لا بد أن ينتهي مستهلكا بنفس الشيء الذي اقتات عليه
أنت تعي هذا الشيء الذي يجعل حبك قويا إلى حد بعيد
ويجعلك تحب بشكل أفضل هذا الذي ستفارقه حتما عما قريب
كن راضيا حينما أقع في قبضة القدر التي ستأخذني بعيدا مجردا بلا رجعة
سيبقى لحياتي بهذه الكلمات بعض المشاركة
وستبقى دائما للذكرى معك
وحين تعيد القراءة سترى يابن التراب من جديد نفس الجزء الذي كرسته لك
فالتراب لا يجني سوى التراب الذي يستحقه
إن روحي ملك لك وهي أفضل جزء في كياني
هكذا ترى إنك لم تفقد شيئا سوى سقط متاح الدنيا
فريسة الديدان جسدي الذي يكون ميتا
الغزو الجبان لسكين ذلك التعس إنه شيء أشد وضاعة من أن تذكره
قيمته في الروح التي تعيش فيه وهي في كلماتى التي تحيا معك
هكذا أنت لأفكاري مثل الطعام للحياة أو مثل الأمطار العذبة الموسمية للأرض
ومن أجل السلام الذي تمنحني إياه أواصل هذا النضال الذي يشبه النضال الناشب بين البخيل وثروته
الآن وهو مزهر كمن يستمتع بالأمرسرعان ما يخاف من العمر المتسلل كاللص أن يسرق كنزه
الآن أرى أنه من الأفضل أن أكون وحدي معك فيرتقي شعوري لأن العالم سوف يرى سعادتي
أحيانا حين أصير ممتلئا باستغراقي في طلعتك ورويدا رويدا أموت جوعا لنظرة إليك
لا أمتلك ولا ألاحق شيئا من السرور سوى ما لا يمكن أن يؤخذ إلا منك فقط
هكذا يتناوبني التوق الشديد والشبع المفرط يوما بعد الآخر
ما بين وجودك الشامل معي وبعدك الكامل عني
لماذا تبدو قصائدي خالية تماما من البدع الجديدة شديدة البعد عن التغيرات أو التقلبات السريعة
ولماذا لا يتحول انتباهي إلى ما يدور في زماننا من المناهج الحديثة والتراكيب الغريبة
لماذا أكتب دائما بنفس الطريقة وأظل كما أنا محافظا على صياغة الجديد بالطريقة المألوفة
حتى صارت تنطق باسمي كل الكلمات
وتدل على مولدها وعلى منبتها
فلتعرف أيها الحبيب أنني أكتب عنك دائما
وأنك أنت والحب ستظلان أطروحتي الأبدية
وأن أفضل ما يمكنني هو الكساء الجديد للكلمات القديمة
مستخدماً مرة أخرى ما سبق استخدامه
فمثلما تكون الشمس كل يوم جديدة وقديمة مازلت أكتب عن حبيبي ما كتبته قديما
ستريك مرآتك كيف تبلى أشياءك الجميلة
كما تريك ساعتك كيف تضيع هباءً دقائقك الغالية
الأوراق البيضاء ستحمل حروف أفكارك ومن هذا الكتاب ستتذوق هذه المعارف
التجاعيد التي ستريها لك مرآتك بصدق عن القبور الفاغرة الأفواه ستعيد إليك الذكريات
وستعلم من الظل المتسلل في حركة ساعتك إن الزمن ينسل في اتجاه الخلود
أنظر إلى ما لا تستطيع ذاكرتك أن تحتويه
والتحم بهذه الفراغات عندئذ سوف تجد أولئك الأبناء الذين أنجبهم عقلك عندما ترعاهم
سيجعلونك تتعرف من جديد على أفكارك
هذه الأفكار اليومية التي تمارسها كلما عاودت النظر
ستفيدك وتثري كتابك إلى أبعد أثر
ستريك مرآتك كيف تبلى أشياءك
كنت أستحضرك دائما كأنك العروس التي تلهمني الشعر
وكنت أجد هذا الالهام البديع في أشعاري
مثلما فعل كل قلم غريب سلك مسلكي واستلهم شعره تحت رعايتك
عيناك اللتان علمتا الأبكم أن يتهلل بالغناء والمثقل بالجهل أن يطير عاليا
أضافتا ريشا إلى الجناح العليم ومنحت الحسن جلالا مضاعفا
لتكن إذن تياها بهذا المؤلف الذي أكتبه
والذي هو مستلهم منك ومولود من صلبك
أنت نبع لارتقاء التعبير في أعمال الآخرين
وبفضائلك الطيبة تنعم الفنون وترقى
لكنك بالنسبة لي جميع فنوني تصحبني قدما
إلى العلا حتى أتحول من فجاجة الجهل إلى علاء المعرفة
حين أدعوك في وحدتي طالبا معونتك تحظى أشعاري وحدها بكل جمال كرمك
أما الآن فإن أوزاني الفياضة قد اضمحلت وعروس إلهامي العليلة أخلَت مكانها لشخص آخر
أعتقد أيها الحبيب الرقيق أن الحديث الجميل عنك
يستحق أن يكتبه قلم أكثر جدارة
رغم أن جميع ما يستطيع شاعرك أن يبدعه عنك هو ما يسرقه منك ثم يرده إليك مرة أخرى
إنه يلبسك رداء الفضيلة وهو سارق لتلك الكلمة
من مسلكك والجمال الذي يضفيه عليك موجود في وجنتيك إنه لا يستطيع
تمجيدك بأي شيء سوى صفاتك النابضة
لا تشكره إذن على تلك الأشياء التي يقولها عنك
ما دمت أنت الذي ستدفع الدين الذي له عليك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.