وسيبذل كل طاقته في مديحك حتى يعقل لساني إذا أردت التعبيرعن طباعك الذائعة
لكن، ما دامت منزلتك شاسعة كالمحيط تحمل الشراع المتواضع كما تحمل أشد الأشرعة اختيالا
فإن زورقي الرقيق الأقل قدرا من مركبه إلى حد بعيد
سيظهر رغم كل شيء على بحرك العريض
ستبقيني طافيا أكثر معاوناتك ضحالة بينما هو يعتلي أعماقك التي لا يسبر غورها
فإذا ما تحطمت فإنني زورق لا قيمة له بينما هو شامخ البناء رائع الأبهة
أما إذا استأثر بك واطرحت أنا بعيدا
فأسوأ ما في الأمر أن يكون حبي سببا لفنائي
إذا طال بي العمر بعدك وكتبت الأسطر التي ستوضع على شاهد قبرك
فسوف أبقى خالدا بينما أكون أنا تحللت في التراب
لأن الموت لا يقوى على طي ذكراك من هذه القصائد
رغم أني سأصبح نسيا بأكملي منسيا
سيحظى اسمك في أشعاري بحياة خالدة
رغم أني بمجرد رحيلي يكون موتي مؤكدا للعالم بأسره
ولن يكون لي في الأرض سوى قبر عادي بينما يكون مثواك الأخير في عيون الناس
سيكون تذكارك في أشعاري الرقيقة هذه الأشعار التي ستقرؤها عيون لم تخلق بعد
والتي سترددها ألسن يكون حديثها عنك حين يكون أحياء عالمنا هذا في عداد الموتى
لقلمي هذه القدرة التي تجعلك تواصل الحياة
حيثما تتردد أنفاس الناس ما بين الشفاه
أعترف أنني لم أكرسك لأشعاري وحدها ولهذا فربما تمعن النظر دون ريب
في كلمات الاهداء التي يستقيها الشعراء الآخرون
من شخصك الحبيب لتحظى كتبهم بالرواج
غزير أنت في معرفتك مثلما أنت كريم في شمائلك
وإذا أرى قدرك أبعد شأوا من حدود مديحي
فأنت مجبر لذلك على البحث من جديد عن تعبير أكثر طزاجة لأيام هذا الزمن التي تتعاقب
أرجو أن تفعل هذا أيها الحبيب فإذا ما استخدموا أسلوباً خاصا
فما الذي تغني عنه اللمسات البلاغية المبالغ فيها
إن التعبير الصادق صورة لجمالك الصادق في الكلمات البسيطة الصادقة
صاحبك الذي يصدَقك القول
أما مبالغاتهم في تلوين الصورة فمن الأفضل أن تستخدم
للخدود التي تفتقر إلى الدماء لأنها بالنسبة لك سخف وعدم
ما رأيتك أبدا في حاجة إلى تلوين صورتك لهذا لم أضف أية ألوان إلى جمالك
لقد وجدت أو اعتقدت أني وجدت أنك أنت بذاتك
تتجاوز العطاء الخاوي الذي يضيفه الشاعر عليك
لهذا أغضيت عن امتداحك
طالما أنك أنت بكونك حيا ستظهر في أقوى صورة
إلى أي مدى سيقصر باع المبتدل الأجوف
حين يتحدث عن القيم وما أعظمها تلك التي تكبر دائما لديك
لقد وصمت سكوتي هذا فاعتبرته نوعا من الخطيئة
وهذه أعظم آيات الفخر عندي أن أكون أخرسا
لأنني لا أفسد الجمال ببقائي صامتا حين يجيء الآخرون بالقبر بدلا من الحياة
تفيض وفرة من الحياة في عين واحدة من عينيك الجميلتين
أكثر من المدائح التي يبتكرها شاعراك معا
من ذا الذي يبلغ بالقول أقصاه فلا يزيد ما يقول
عن هذا المديح الفياض بينما أنت بمفردك هو ذلك الشخص
الذي يختزن بين جوانحه جميع العناصر المرتجاه
التي يتشكل منها النموذج الذي يعادلك
في مثل هذا القلم لا يقيم سوى شاعر فقير العبارة
لا يملك من العطاء لموضوعه سوى بعض الوهج القليل
أما ذلك الذي يكتب عنك فإنه إذا استطاع التعبير
الصورة التي أنت عليها يضفي الشرف على ما يرويه
دعه لا يفعل شيئا سوى أن ينسخ ما هو مدون فيك
وألا يشوه ما جعلته الطبيعة واضحا
لأن هذا النسخ سيذيع فطنته ويجعل أسلوبه موضع الاعجاب في كل مكان
لقد أضفت إلى مواضع الرحمة في شمائلك الجميلة هذا البلاء
مذ صرت مغرما بالمدح فصارت المدائح شيئا سيئا حيث لا يدانيك الشعراء
عروس إلهامي التي انعقد لسانها تأدبا يمسكها عن الكلام
بينما الأقوال الوافرة الغنى التي تقال في الاشادة بك
تحتشد في عباراتها الكلمات المذهبة
والجمل الباذخة التي صاغتها عرائس الالهام جميعا
تراودني الأفكار الطيبة بينما يكتب الآخرون الكلمات المليحة
ومازلت مثل رجل يجهل الأمر أقول بصوت مرتفع "آمين"
لكل قصيدة يكتبها الشعراء المقتدرون في شكل مصقول وأسلوب من أرفع درجات التجويد
عندما أستمع إلى ما كتب في مدحك أقول "هذا صحيح، هذا حقيقي"
وإلى الحد الأقصى من الثناء عليك أضيف شيئا آخر
يكمن في أفكاري التي تحفظ لك الحب
في منزلة أعلى من الكلمات رغم ما تحمله من أرقى طبقات التعبير
فليكن منك التقدير للشعراء الآخرين للنَفَس الحي في كلماتهم
وليكن تقديرك لي من أجل أفكاري الخرساء التي تحمل نَفْس أقوالهم
أهو شعره العظيم الذي يختال شراعه فوق العباب
متجهاً إليك للفوز بجائزة وصالك الغالي
هو الذي دفعني إلى تكفين أفكاري الناضجة داخل رأسي
جاعلاً قبرها في مهدها الذي نَمَتْ فيه
أهي روحه التي علمتها الأرواح أن تكتب
ما يتجاوز الفناء هي التي وجهت لي الضربة القاتلة
لا هو ولا رفاقه في الليل
الذي يقدمون له العون يقدرون على إخراس أشعاري
لا هو ولا ذلك الشبح الدمث الأليف الذي يزدده في الليل بالمعارف الخفية
يستطيعان التفاخر كالمنتصرين بأنهما أسكتا صوتي
فما كنت مريضا بسبب الخوف كيفما كان منهما
لكن أشعاره حين التأمت بتأييدك المعنوي لها
أصبحت أنا مفتقرا لهذا الشأن وهذا هو ما أوهنني
وداعا إنك أغلى من أن أستحوذ عليك
ويكفيني أنك تعرف قيمتك
فامتيازك بهذه القيمة يعفيك من الالتزام فتنتهي كل دعاوي حقي فيك
كيف أدعي لنفسي حقا فيك بلا ضمانة منك
وكيف الطريق إلى استحقاق ذلك العطاء
إن احتياجي هو المبرر لهذه الهدية الجميلة لذلك يسقط حقي ويرتد مبعدا إلى الوراء
لقد أعطيتني نفسك دون التحقق وقتئذ من قيمة ذاتك
فهل بالغت في تقديري حينما أعطيتني
هكذا نما عطاؤك العظيم على أساس خاطئ
وها أنت تسترده الآن بعدما وصلت إلى حكم أفضل
بذلك أكون اتخذتك كالحلم المخادع
كنت في الحلم ملكا وحينما صحوت لم أجد أثر
حينما تتخذ مني ذات يوم موقفا مستخفا وتنظر إلى جدارتي بعين الاحتقار
فسوف انحاز إلى جانبك في القتال ضد نفسي
وأثبت أنك الصاحب العفيف رغم أنك الخوان
ولأنني على معرفة تامة بموطن ضعفي فبإمكاني اختلاق قصة تعضد جانبك
تموهها المثالب التي أكون فيها مذنبا مدانا إلى الحد الذي تنال فيه بفقدي مجدا كبيرا
بذلك أكون أنا الرابح أيضا لأنني حين أحيطك بجميع أفكاري التي تحبك
فإن الجراح التي أسببها لنفسي
ستكون ذات قيمة لك وتكون قيمتها لي مضاعفة
هذا هو حبي لك وهكذا أنتمي إليك
ولكي تكون صاحب الحق فإنني أحمل كل الوزر عنك
قل إنك هجرتني لأنني اقترفت ذنبا ما وسوف أعلق على تلك الاساءه
وأخبرك عن عرجي وسأصبح أعرجا ولن أدفع عن نفسي دعواك ضدي أبدا
أنت لا تستطيع أيها الحبيب أن تلحق بي خزيا يكون نصفه سيئا
إلى الحد الذي يبدو رفضك لي أمرا مبجلا
فسوف ألحق العار بنفسي وأنا عارف برغبتك
سأنكر معرفة أحدنا بصاحبه وأتصرف كما لو كنت غريبا
سأختفي من السكك التي تمشي فيها وسأمسك لساني
فلا أنطق به اسمك الحبيب بعد الآن
لئلا أسيء إليه وأنا ممتهن إلى أبعد الحدود
إذا ما تكلمت دون قصد عن صحبتنا القديمة
من أجلك أنت سأخوض الحرب ضد ذاتي
لأنني لا بد ألا أحبه أبدا ذلك الشخص الذي تكرهه أنت
فلتكرهني وقتما شئت وإذا لم يكن من ذلك مفر فليكن الآن
الآن وقد أصبح العالم متكاتفا لاحباط أعمالي
فلتتحالف مع الحظ التعس لتحنيا هامتي
ولا تضف للكيل بعد ذلك ما يجعله يفيض بالخسران
فإذا ما استطاع قلبي أن يتجاوز هذه الأحزان فلا تعد لتنكأ الألم المهزوم
لا تتبَع الليل العاصف بالصبح المطيركي لا تطيل علي الخطة المدبرة للاطاحة بي
إذا عقدت النية أن تتركني فلا تتركني في الهزيع الأخير
حين تكون الأحزان المؤسية الأخرى قد فعلت أسوأ ما لديها
ولكن تعال في مفتتح المهانة حتى أستطيع أن أتذوق
في أول الأمر أشد مرارات الحظ الرديء
عندئذ تكون المواجع الأخرى، التي تبدو الآن فاجعة
إذا ما قورنت بخسارتي فيك ليست إلى ذلك الحد موجعة
يتفاخر بعض الناس بأنسابهم والبعض بمهاراتهم
وبعضهم يتباهى بثروته وآخرون بقوة أجسامهم
ويتألق البعض بأثوابهم رغم تواضعها القبيح
وبعضهم يعتز بصقوره وكلابه والبعض بما لديهم من خيول
لكل مزاج نزعته التي تتسق مع سعادته حيث تجد ما يبهجها فوق ما عداه
لكن معيار سروري ليس في هذه الملذات الخاصة
لأنني أتخطاها جميعا في مسرة واحدة شاملة
حبك لي أفضل من الأصل الرفيع وأكثر غنى من الثروة وأعظم فخرا مما تكلفه الثياب
وأغزر اسعادا من الصقور والخيول
وأن تكون صاحبي فإني أختال بك على زهو الناس أجمعين
لكن الشيء الوحيد الذي يشقيني أنك قد تأخذ مني
جميع هذه الأشياء فتجعلني أتعس البؤساء
أولئك الذين يستطيعون أن يضروك لكنهم لا يفعلون ولا يقومون بما يبدو جليا أنهم قادرون عليه
إنهم يحفزون غيرهم لكنهم مع أنفسهم كالحجارة
لا يستفزون
باردون
لا يستهويهم شيء بسهولة
أولئك هم الذي يرثون النعم الالهية بالحق ويحفظون كنوز الطبيعة البشرية من التبذير
إنهم سادة أنفسهم وملاك زمامها
وليس الآخرون سوى الوكلاء القائمين على شؤون سادتهم
زهرة الصيف تهب الصيف حسنها البديع رغم أنها تحيا وتموت في نطاق ذاتها فقط
لكن هذه الزهرة لو أصابها التلوث الوضيع فإن أحط الأعشاب الضارة يتحدى قدرها الرفيع
لأن أكثر الأشياء حلاوة قد يصير بسبب أفعالهم أكثرها مرارة
كزهور الليلك حين تتعفن فتصبح رائحتها أبشع من رائحة الطحالب
هكذا سوف أحيا، مفترضا فيك الصدق مثل المخدوع
وهكذا سيظل وجه الحب يبدو لي وكأنه الحب رغم التغير الجديد
في نظراتك لي وقلبك الذي أصبح في مكان آخر
ولأن الكراهية لا تستطيع أن تحيا ما بين عينيك
لهذا تجدني حائرا في معرفة هذا التحول منك
في نظرات الكثيرين يظهر سجل القلب المزيف
مدونا في طباعهم وتقطيب وجوههم وتجاعيدهم الغريبة
لكن السماء عند خلقها لك شاءت
أن يكون وجهك السمح موطنا دائماً للحب
فمهما كانت أفكارك وكيفما كانت مشاغل قلبك
فلن تفصح نظراتك عن شيء سوى الرقة والعذوبة
إفعل أسوأ ما يمكنك لتسرق نفسك بعيدا فمن المؤكد أنك لي طوال حياتي التي أعيشها
ولن تكون الحياة أطول من زمن بقاء حبك لأنها تتوقف على ذلك الحب الذي تملكه
ليس هناك ما يخيفني من أسوأ الأخطاء ما دامت حياتي ستنتهي لو حدث أهونها
سوف أكون في حالة أخرى
أفضل من تلك التي تتوقف على مزاجك الخاص
أنت لا تقوى على إرباكي بأفكارك المتقلبة طالما تتوقف حياتي على ثورتك عليها
يا له من حظ في السعادة هذا الذي وجدت
سعيد أنا حين أفوز بحبك وسعيد حين ألاقي الموت
أي شيء له من الجمال والقدسية ما لا يدع سبيلا لأي شائبة
ربما تكون خائنا
وأنا لا أعرف شيئاً عن ذلك حتى الآن
بأي قدر من الرقة والمحبة تقترف الأمور المشينة مثل الدودة التي تنهش برعم الوردة العطرة
تلطخ جمال اسمك وهو ما زال برعما
واهاً لك في أي العناصر الرقيقة تخفي خطاياك
هذا اللسان الذي يروي قصة أيامك معلقا باستهتار على ألاعيبك
لا يستطيع أن يذمك لكنه على سبيل المدح حين يشير إلى اسمك
يغفر الخبر السيء الذي يقال عنك
يا له من مدار ذلك الذي اتخذته تلك الخطايا حين اختارتك أن لتكون لها سكنا
حيث يخفي نقاب الجمال جميع الوصمات
فتتحول كل الأشياء إلى الصورة الحبيبة التي تراها العيون
ينسب بعضهم خطأك إلى عمرك الغض والبعض إلى ملذاتك المسرفة
ويقول آخرون أن الشباب واللهو البديع فيك فضيلة وجمال
وكيفما كان الأمر فالفضيلة والخطأ كلاهما محبب بشكل ما
لأنك قادر على تحويل ما ينسب إليك من أخطاء إلى فضائل
مثلك في هذا مثل الملكة المتوجة التي يبدو في اصبعها أرخص أنواع الجواهر أعلاها قدرا
كذلك أيضاً تلك الأخطاء التي يراها الناس فيك تتحول إلى المعاني الصادقة
وتنتسب إلى حقائق الأمور
كم من الحملان يستطيع الذئب القاسي خداعها لو استطاع أن يبدو كالحمل في نظراته ولفتاته
وكم من الناظرين إليك تستطيع أن تضلهم لو أنك استخدمت كل القوة التي تتيحها مكانتك
لكن عليك ألا تفعل ذلك
لأنني أحبك بالصورة التي أنت عليها
وما دمت الانسان الذي أحببت فسيظل حبي عنوانا لقدرك الرفيع
لقد ازدادت قوة حبي رغم أنه يبدو ضعيفا للغاية
لم يتضاءل حبي لك رغم أن ظاهر الأمر يبديه ضئيلا
فالحب ذا المكانة الجليلة يصير سلعة رخيصة حين يداوم صاحبه على إذاعته في كل مكان
كان حبنا في مستهله منتعشا حتى أصبحنا في الربيع
عندما اعتدت أن أشيد به في قصائدي كالعندليب حين يغني في مطلع الصيف
ثم يتوقف عن الغناء عندما يقترب الصيف من نهايته
ليس لأن أخريات الصيف أصبحت الآن أقل إثارة للبهجة
عما كانت عليه حينما كان ينشر السكون في الليل بألحانه الوجيعة
ولكن لأن هذه الموسيقا صارت حملا قاسيا على كل غصن
فعندما تصبح الأشياء العذبة في متناول الجميع تفقد متعتها النادرة
لذلك أحذو حذوه أحيانا فأمسك عن الكلام لساني
لأنني لا أحب أن أتخمك بما لدي من الأغاني
يا ربة الشعر المتهربة ما هي صياغتك المبتكرة التي تعللين بها اهمالك وحدة الصدق والجمال
فالصدق والجمال معاً يعتمدان في وجودهما على وجد حبيبي
هكذا أنت أيضاً عليه تعتمدين وهذا هو ما يضفي عليك الاحترام
أجبيبيني أيتها الربة الملهمة
أليس من المحتمل أن تقولي إن الصدق لا يحتاج إلى الزخرفة لأنه ثابت اللون
والجمال ليس بحاجة إلى قلم يكتب عن حقيقة الجمال
وأفضل شيء لهما معا أن يظلا بلا امتزاج مع شيء آخر أبدا
أتظلين صامتة لأن حبيبي ليس بحاجة إلى المديح
لا تتخذي ذلك عذرا للصمت لأنك أنت التي تمتلكين القدرة
على جعله يتجاوز حدود المقبرة البراقة
فيتواصل ذكره بالمدح على مر العصور المقبلة
عليك الآن ايتها الربة أن تؤدي واجبك
فتجعلينه يبدو جميلا حقا في عيون الأجيال القادمة مثلما هو الآن
أين أنت يا صاحبة الإلهام
يا من طال بك النسيان في الحديث إلى ذلك الذي يعطيك كل قوتك
هل تبذلين نفثة الهامك على أغنية تافهة وتنفقين قواك لتسكبي الضوء في الأمور الرخيصة
إرجعي أيتها القاسية واسترجعي الآن في القصائد النبيلة ذلك الوقت الذي ضيعته عبثا
رددت غناءك للأذن التي تقدر منك الغناء
وتمد قلمك بالمهارة والفكرة معا
إنهضي أيتها الربة المستكينة
انظري إلى وجه حبي الجميل هل حفر الزمان فيه شيئا من التجاعيد
فإذا وجدت منها شيئا الهميني هجائية عن الذبول
واجعلي أسلاب الزمن محتقرة في كل مكان
امنحي حبي الذيوع بسرعة أكبر من سرعة اتلاف الزمان للحياة
لكي تصدي عنه منجل الأيام وسكينها المعقوف
هكذا رحت ألوم زهر البنفسج الذي تفتح قبل أوانه
أيها اللص الجميل من أين سرقت عطرك الفواح
إن لم يكن من أنفاس حبيبي وهذه الحمرة الزاهية التي تسكن في صفحة خدك الرقيق
ألم تتخذ لونها من الدماء التي تجري في عروق حبيبي
لقد أدنت زهر الليلك بسرقة البياض من لون يدك
وأدنت البراعم بالسطو على شعرك
أما الورود فقد وقفت خائفة فوق أغصانها
إحداها احمرت خجلا
الأخرى ابيضت يأسا
ثالثة لا حمراء ولا بيضاء سرقت من اللونين
ضمت إلى سرقتها عطر أنفاسك الذي استولت أيضا عليه
وبسبب هذه السرقة التي اختالت بها بعد اكتمال نمائها
جاءتها الدودة المنتقمة وظلت تأكلها حتى قضت عليها
تأملت كثيرا من الزهور لكنني لم أر واحدة منها
إلا وقد سرقت منك رقتها أو لونها
كنت غائبا في الربيع حين خطا ابريل زاهي الكبرياء مرتديا بهاءه المكتمل
وقد بث روح الشباب في كل شيء حتى بات زحل الثقيل يضحك معه ويقفز
الآن لا يستطيع تغريد الطيورولا الرائحة الزكية للزهور المتنوعة في عطرها وألوانها
أن تجعلني أروي أية قصة عن الصيف أو أنزعها من مهدها المتألق الذي نَمَت فيه
كما أنني لا أقوى على التعجب من بياض الليلك أو امتداح اللون القرمزي العميق في الورود
فهي لم تكن في رقتها وفي أشكالها المبهجة سوى نسج على منوالك فأنت الوحدة التي تشملها جميعا
لكن الشتاء ما زال يبدو مخيما وأنت مبعد هنالك
عنك
أداعب هذه الرؤى كأنها طيف خيالك
لشد ما يشابه الشتاء غيابي عنك يا بهجة الصيف في العام الذي انقضى
أي برودة شديدة أحسستها وكم تراءت ظلمة الأيام
كنا في الصيف حين افترقنا وكان الخريف فياض الثمر متزايد الغنى
يحمل لنا المحاصيل التي لقحت في الربيع كأطفال الأرامل الذين يولدون بعد وفاة آبائهم
لكن هذا الحصاد الوفير كان يبدو لي مثل أمل اليتامى وفاكهة الذين فقدوا آباءهم
لأن الصيف وأفراحه يعتمدان على وجودك
فإذا كنت غائبا فكل شيء يصير صامتا حتى الطيور
فلو سمعتها تغني فإن صوتها يكون موحش الغناء
وتبدو أوراق الشجر شاحبة كأنها تخشى اقتراب الشتاء
واأسفاه للقريحة التي أجدبتها ملهمتي تلك التي تملك مدى فسيحا تبرز فيه قوتها
لو أنني كففت عن مدائحي إليك ستظل أعلى مكانة وشأنا مما تضيفه قصائدي إليك
لا تلمني إن لم أعد قادرا على كتابة شيء آخر
تطلع إلى مرآتك وسوف يطالعك على صفحتها وجه يتجاوز بجماله ابداعي الفقير
يخسف ما سطرته ويجعلني أتوارى خجلا
أليس من الخطأ إذن أن أحاول إصلاح شيء فأفسد ما كان جميلا من قبل
لأن قصائدي لم تكتب لأي غرض آخر سوى الاشادة بشمائلك وعطاياك
وأكثر من ذلك أكثر مما يمكن لقصائدي أن تحتويه
تراه ظاهرا على صفحة مرآتك حينما تنظر فيها
بالنسبة لي أيها الصديق الرائع لا يمكن أبدا أن تصير عجوزا
فمثلما كنت حينما التقت عيني بعينك للمرة الأولى
ما زال جمالك يبدو لي بعد ثلاثة فصول من الشتاء البارد
جردت الغابات ثلاث مرات من المناظر البديعة لورق الشجر في الصيف
ثلاثة فصول من الربيع الجميل تحولت إلى صفرة الخريف
ولقد رأيت فيما تتتابع الفصول
ثلاثة من شهور ابريل العطرة تحرقها ثلاثة شهور حارة من يونية
منذ رأيتك للمرة الأولى التي ما زالت خضراء ومازال الجمال مثل الساعة الشمسية
يسرق من مالكه دون أن تدركه الحواس
هكذا أيضا شكلك الجميل الذي يبدو لي مثلما كان
إنه يتغير ويكبر لكن عيني هي التي تخدعني
ولأن هذا هو ما أخشاه أقول لك أيتها العصور القادمة
إن الجمال المكتمل قد مات من زمن طويل قبل مجيئك
لا تترك حبي لك يدعى حبا أعمى
لا تترك محبوبي يبدو وهما
مادامت كل أغاني وكل قصائد مدحي كتبت عن انسان واحد
وإلى نفس الانسان ستبقى أبدا منه إليه
يفيض حبي اليوم بالحنان وغدا يفيض بالحنان
وسيبقى ثابتا على الدوام في أكمل صورة
لهذا تبقى قصائدي رهينة الوفاء
معبرة عن شيء واحد تاركة ما عداه
"الجمال والحنان والصدق"
هذا هو موضوعي بأكمله
"الجمال والحنان والصدق"
أنوع قولها في كلمات أخرى
أبذل جهدي في التعبير المتنوع عن نفس الموضوع
ثلاثة موضوعات في موضوع واحد تمنحني أفقا واسعا
لقد عاش الجمال والحنان والصدق متفرقين دائما
لم يجتمع الثلاثة في أحد أبدا حتى الآن
حين أرى في قصص الأزمنة الماضية أوصاف أجمل الناس الذين عاشوا فيها
والتفنن في تجميل القصائد القديمة عند إطراء النساء الراحلات والفرسان المحبوبين
وحين أقرأ أعمق ما في سجلهم عن الجمال
عن اليد والقدم والشفة والعين والحاجب
أرى أقلامهم القديمة وقد حاولت التعبير عن الجمال الذي أراه الآن فيك
لم تكن مدائحهم للجمال إذن سوى تنبؤات عن الجمال في عصرنا هذا الذي يتجسد بأكمله في صورتك
ولأنهم لم ينظروا للجمال إلا بعيون متنبئة
لم تكن لديهم المهارة الكافية للتعبير الجدير بك
أما في هذا الزمن الذي نتربع الآن عليه
فإننا نملك العين التي يدهشها الجمال وينقصنا اللسان الذي يمكنه التعبير
لا مخاوفي الخاصة ولا روحي المتنبئة التي تحلم بالأشياء المقبلة في هذا العالم الواسع
يمكنها السيطرة على مصير حبي الصادق الذي يخضع لدورة المصير المعلوم
لقد استطاع القمر الفاني أن ينتصر على الخسوف ويحيا
وصار المتنبئون بذلك موضعا للسخرية بما قالوه
والشكوك السابقة أصبحت الآن هي اليقين المنتصر
وأغصان الزيتون تعلن عصرا أبدياً للسلام
الآن مع قطرات هذا الزمن الفياض بالعطر يبدو حبيبي نضرا ويستسلم الموت لي
ما دمت رغما عنه سوف أحيا في هذا الشعر المتواضع
بينما يصول ويجول بين أولئك الخرس والأغبياء
أما أنت فسوف تجد ما يجسدك في هذه القصائد
بعد زوال الطغاة واندثار القبور النحاسية
ما الذي في العقل يمكن للحبر أن يصوره مما لم يتشكل أمامك من قبل يا روحي الصادقة
ما الجديد الذي يمكن أن يقال وما الذي يمكن تسجيله الآن للتعبير عن حبي أو عن شمائلك الغالية
لا شيء أيها الفتى الرقيق
لكنني في مثل كلمات المصلين لا بد أن أكرر نفس الشيء كل يوم
معتبرا أن الأشياء القديمة ليست قديمة ما دمت لي وأنا لك حتى عندما بجلت اسمك الجميل للمرة الأولى
فالحب الخالد يظل حبا شابا على الدوام
لا يأبه أبدا برماد السنين الماضيات وجراحاتها
ولا يدع للغضون التي لا مفر منها مكانا
بل يجعل الزمن الماضي خادما لشؤنه
حين يجد انطباع الحب الأول الذي ولد فيه ونما
بينما الزمن والهيئة الخارجية يظهرانه ميتا
لا تقل عن قلبي أبدا أنه لم يكن لك مخلصا رغم أن الغياب أظهرني في شكل من خبا حبه لك
ينبغي عندئذ أن أفترق عن نفسي بسهولة مثل سهولة افتراقي عن روحي التي تقيم بين ضلوعك
ذلك هو منزل حبي
لو كنت قد تجولت مثل ذلك الذي يسافر فإنني أعود ثانيا في وقت العودة المنتظر دون أن يغيرني الزمن
حتى أحضر الماء بنفسي لأغسل الوصمة التي لحقت بي
لا تصدق رغم طبيعتي التي تتحكم فيها
جميع نقاط الضعف التي تحاصر نواحي بدني كلها وتستطيع أن تلطخها جميعا بما ينافي الطبيعة
أن أتنازل عن كل ما لديك من الخير بلا مقابل
إني أرى هذا الكون الفسيح لا يساوي شيئا فيما عداك
يا وردتي
فأنت كل شيء لي فيه
واأسفاه لأنني حقا مضيت هنا وهناك
جعلت نفسي مثل مهرج البلاط في عيون الناس
جرحت أفكاري الخاصة بعت أغلى ما لدي رخيصا
وألبست الآثام القديمة ثوبا عاطفيا جديدا
من أصدق الأمور
أنني رأيت الحقيقة بطريقة غير مباشرة كأنني شخص آخر أقسم بكل ما في الأعالي
إن هذه الآثام والخطايا قد منحت قلبي شبابا جديدا
كما أن أسوأ الأحاديث أثبتت أنك الحبيب العظيم
الآن وقد انتهى كل شيء لك مني ما لا يفنى إلى الأبد
عاطفتي المشبوبة التي لن أضعها مرة أخرى في محك التجربة
لأجد برهانا جديدا أختبر به صديقا قديما
فهو إله في الحب وأنا إليه مشدود الوثاق
فلترحب بي إذن في أجمل صورة بعد ترحيب السماء
كما يرحب صدرك الصافي الذي أحبه بلا انتهاء
أود لو أنك من أجلي تلوم ربة الحظ
تلك الربة صاحبة الذنب فيما أقدمت عليه من أعمال ضارة
فهي التي لم توفر لحياتي عملا طيبا
أفضل من الوسائل العامة التي تولدها الأخلاق العامة
هكذا لحقت باسمي تلك الوصمة
منذ ذلك الحين صارت طبيعي خاضعة لما تقوم بأدائه
مثل ما تؤديه يد الصباغ
فلتشفق علي إذن ولتتمن لي حياة متجددة
مثل المريض الراغب في الشفاء سوف أشرب دواء الخل ضد إصابتي القوية
لن أفكر في مرارة الأشياء ذات الطعم المر
ولا التفكير المضاعف عن الخطايا لتصحيح التصحيح
فلتأس لي إذن أيها الصاحب العزيز وأنا أؤكد لك
إن إشفاقك علي فيه ما يكفي لشفائي
حبك وشفقتك هما اللذان يمحوان التلوث الذي أصابني وألصقته الفضيحة العامة فوق جبيني
ما الذي أحرص عليه سواء دعيت طيبا أو سيئا
ما دمت تغطي جانبي السيء وتظهر جانبي الحسن
أنت لدي كل العالم ولا بد لي أن أكافح حتى أعرف سوءاتي وفضائلي بلسانك أنت
فليس هناك أحد أحسه حيا ولا أنا حي بالنسبة لأحد
ممن يمكنه أن يغير شعوري المتحجر من ناحية الصواب والخطأ
في هذه اللجج المتلاطمة
أقذف كل أنواع الحرص بالنسبة لأصوات الآخرين حتى أن حاستي الجامعة
توقفت بالنسبة لكل من الناقد والمنافق
فلتنظر إذن كيف أبرر لامبالاتي بالآخرين
لقد نموت في فؤادي قويا إلى أبعد حد
حتى صرت أظن أن كل ما في العالم إلاك ميت إلى الأبد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.