الجمعة، 14 أغسطس 2015

مصر محمية


 مياه الدنيا لا ترويه ما دام محروما من مياه النيل
  كان يرمي سهمه بعيدا إلي العمق
إلي البؤرة التي تسببت في نفيه وغربته وابقاء المصريين راسغين في أغلال الخنوع والخضوع للحاكم الفرعون
أنا ربكم الأعلي وهذه الأنهار تجري من تحتي
 الحاكم المتحكم في النهر والبشر والأرض والغلة
 في لقمة العيش وشربة الماء
بأمره يفيض النيل وبأمره يتلكأ النهر ويتعثر ويتأخر فيضانه فيجوع الرعايا
 ويرحل الفراعين وينتهي زمنهم وتدول دولهم
ولكنهم يخلفون لعنتهم علي مسار الأزمنة التالية
لعنة الحاكم الاله مموها في كل حقبة بقناع يلهي عن حقيقته
تختلف الأقنعة وتبقي تحتها سلطة الاستبداد والقهر
يثرثر عالم الجغرافيا السياسية  قائلا إن الأمر طبيعي فمصر مجتمع نهر
ومجتمع النهر يحتاج إلي سلطة مركزية قوية تتعامل مع نزوات النهر وفيضاناته أو شحه وتتحكم في مياهه لتوزعها بالعدل علي الفلاحين ـ وهم الغالبية العظمي في الشعب المصري ـ وتفرض بالتالي رقابتها وتضع القيود التي تراها لازمة لمصلحة الجميع وهو نوع من أنواع العقد السياسي بل هو اكثر الانواع صرامة وجبروتا ففي العقد السياسي الطبيعي يتنازل المواطن عن جزء من حريته وحقوقه السياسية للسلطة المركزية مقابل أن تؤمنه هذه السلطة وتحميه وتضمن له أن يعيش في مجتمع آمن سعيد
لكن العقد في مجتمع النهر يفرض علي المواطن أن يتنازل عن كل حرياته وكل حقوقه الأساسية وكل مفردات الارادة والاختيار إلي النظام الحاكم
والمقابل هنا ينكل بالسيد المواطن لضمان سلامة وأمن النظام
وهكذا يتحول مجتمع النهر إلي مجتمع القهر
ولأن النهر وديع مستأنس لايثور ولايتمرد فقد انطبع الناس في واديه ودلتاه بطبعه ولايغير في الأمر أن  يغرد  مثقف هنا أو متحذلق هناك أو تدير النخب المعزولة حوارات بيزنطية حول التغيير والثورة والمطالبة بالاصلاح والجسم الأساسي طريح المصطبة يتثاءب ولايدري أن نهره القديم  يجري بمعزل عنه غاضب عليه نافيا عن نفسه تهم السادة الجغرافيين الذين يريدون الصاق تهمة القهر بوجوده
طال بنا الصبر إلي ما لانهاية ونغض الطرف عن كل مظاهر الدمار والانهيار التي عمت الديار في الوادي والدلتا وشواطيء البحر ونضحك علي أنفسنا متسائلين ومرددين: حانعمل إيه   نحن  مجتمع نهر
تلك هي عكارة الاستجداء والاستسلام
 ونصرخ  والعطش يحرق حلوقنا ويجفف الدماء في عروقنا
ونعترف بأننا نحن المصريين ـ مسئولون قبل حكومتنا المركزية ووزاراتها المعنية وإدارتها البيروقراطية عن عطش أهل الوادى  وأزمة مياه الشرب في محافظات مصر وكل نواتج الفساد والاهمال وفقدان الكفاءة

نحن مسئولون لأننا تركنا الثعالب تخترق كل جناب الكرم وتلتهمه أمام أعيننا ونحن نكتفي بالفرجة معللين النفس بأن مصر محمية وماحدش بيبات فيها من غير عشا  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.