دخلت مصر تاريخها الحديث عبر ثلاث ثورات
ثورة عرابى سنة ١٨٨١م
وثورة ١٩١٩
وثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢
كانت الثورة الأولى هى أيسرها وأسهلها وأعظمها حظا من النجاح ولولا مداهمة الاحتلال البريطانى لتغير تاريخ مصر
لقد حرك عرابى وهو ضابط مصرى قح وصل إلى رتبة الأميرالاى «من تحت السلاح» أى دون أن يدخل الكلية الحربية التى كان يسيطر عليها الضباط الترك وتبنى أحمد عرابى القضية الوطنية
وفى يوم ١ سبتمبر سنة ١٨٨١م حرك الجيش واصطف فى ميدان عابدين كما أخطر عرابى كل الشخصيات العامة النابهة من صحفيين أو كتاب أو شيوخ أو تجار أو مهنيين..إلخ فجاءوا وأخذوا مكانهم وراء الجيش وعندما نزل الخديو من قصر عابدين سائلا عما جاء به
قال عرابى
نريد إقالة الوزارة ووضع الدستور وزيادة عدد الجيش وانصرف الخديو وهو كظيم فهو لا يستطيع أن يثير الشعب على الجيش لأن الشعب مع الجيش ولا يستطيع يضرب الجيش لأن الجيش مؤيد بالشعب وهذا الازدواج هو أفضل الصور لما يمكن أن تكون عليه الثورة
«وقد تكرر بشكل ما فى ثورة ٢٥ يناير» وسلم الخديو فسقطت الوزارة وولى الحكم وزارة موالية ووضع شريف باشا الدستور وفى هذه اللحظة تنبهت بريطانيا إلى أن مصر توشك أن تتحرك وتنهض فسارعت باحتلالها
أما ثورة ١٩١٩ فإنها كانت حلما حيا يعيش فى أعمق أعماق المصريين جميعا بعد أن فقدت مصر استقلالها منذ ألفى عام على يد الهكسوس واليونانيين والرومانيين والترك ولم تستعد استقلالها إلا فترة محمد على الذى نهض بها ومد حدودها من مصب نهر النيل فى البحر الأبيض حتى منابعه فى أعماق أفريقيا «بحيرة فيكتوريا» ولكن سرعان ما تآمرت الدول الأوروبية عليه وتمكنت من هزيمة أسطوله فى موقعة «نافارين» التى فرضت على محمد على أن يحكم مصر فى حدودها
ولم يهنأ المصريون بما وصلوا إليه إذ دهمتهم بريطانيا بالاحتلال فى سنة ١٨٨٢م كما أشرنا
من أجل هذا كان شعار ثورة ١٩١٩ « الاستقلال التام أو الموت الزؤام »
لم يكن قبض الإنجليز على سعد زغلول وصحبه الذين طالبوا «المعتمد البريطانى» مكماهون باستقلال مصر هو سبب انفجار الثورة، لقد كان المناسبة المواتية لانفجار الثورة المتراكمة فى النفوس وزادتها تصرفات السلطة البريطانية واستغلالها موارد البلاد وتسخير شبابها فى المجهود الحربى البريطانى، وليس أدل على ذلك من أنها سرت كما تسرى النار فى الهشيم وغطت مدن مصر وقراها وعبأت شبابها وفلاحيها وعمالها وطلبتها.
لم يكن للثورة قائد..
لقد كانت هبة تلقائية عمل فيها رجال كل ناحية بوحى من طبيعتهم ولما كانت واحدة فقد تلاقت وعندما ظهرت الشخصيات السياسية عجزوا عن اللحاق بها بل حاولوا أن يهدئوا غضبها ويكسبوا سلامها كان هؤلاء القادة برجوازيين، بينما كان الشعب ثوريا
وكان من الدروس الهامة التى تعرضت لها ثورة ١٩١٩ ظاهرة تقديس الزعيم
فهناك ملابسات عديدة لا يتسع لها المجال ولكنها جعلت الجماهير تقدس سعد زغلول حتى ظهر فى الشعب من يقول
« الاحتلال على يدى سعد أفضل من الاستقلال على يدى عدلى »
وعدلى كان هو رئيس الوزارة فانظر كيف أن التقديس وصل إلى التوثين ومنه إلى الكفر بأعظم مقدسات الثورة وحلمها التاريخى الاستقلال.
على أن ثورة ١٩١٩ وإن لم تحقق لمصر الاستقلال المنشود لأنها لم تسلك الطريق الذى رسمته لنفسها
« الموت الزؤام » وإنما سلكت الطريق الذى فضله زعماؤها طريق المفاوضات فإنها لم تضع هدرا فإنها دمرت الآمال والخطط التى كان الإنجليز يعتزمونها لحكم مصر بطريقة حكمهم للهند وتكوين مجلس يضم الأجانب ومستشارين إنجليزا ومصريين.. إلخ ثم جاءت ثورة ١٩١٩ فجعلت الاستقلال أمرا مقضيا وإن كان مقيدا
أما «ثورة ١٩٥٢» فإنها - ورغم كل ما قيل عن إنجازاتها - ارتكبت موبقة عظمى تلك هى قهر الإنسان المصرى
فحكمت بالإرهاب وبالاعتقالات وبالتعذيب فى السجون والتزوير فى صناديق الانتخاب ووضعت أساس الانفراد بالحكم وإطلاق يد الحاكم حتى جاءت هزيمة ١٩٦٧ فقضت عليها
وهى الهزيمة التى لانزال نعيش فى عقابيلها وقد قيل فى التدليل على حب الشعب لجمال عبد الناصر مسيرة الملايين فى جنازته باكية لاطمة دون أن ينتبهوا إلى أن هذا نفسه أكبر دليل على أنه جعل الشعب عيالا عليه والزعيم الحق هو من يسمو بالشعب ومن يجعله سيدا يثق فى نفسه ويؤمن بقدراته وليس من يجعل الشعب عيالا عليه
وتبقى ثورات مصر المحروسة فى 25 يناير 2011 م